الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 128 ] السادس

الإلحاد في أسمائه - تعالى - المشار إليه في قوله - تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها ، وهو مأخوذ من الميل كما تدل عليه مادة - ل ح د ، تقول العرب : التحد فلان إلى فلان ، إذا عدل إليه ، فالإلحاد في أسمائه - تعالى - أنواع :

( أحدها ) : أن تسمى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية ، والعزى من العزيز ، وتسميتهم الصنم إلها ، وهذا إلحاد حقيقة ، فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة .

( الثاني ) : تسميته بما لا يليق بجلاله ، كتسمية النصارى له أبا ، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة بالطبع ، ونحو ذلك .

( والثالث ) : وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص ، كقول أخبث اليهود إنه فقير ، وقولهم إنه استراح بعد أن خلق خلقه ، وقولهم يد الله مغلولة ، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته .

( ورابعها ) : تعطيل الأسماء عن معانيها ، وجحد حقائقها ، كقول الجهمية ومن تبعهم : إن أسماءه - تعالى - ألفاظ مجردة ، لا تتضمن صفات ولا معاني ، فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم ، والمتكلم والمريد ، ويقولون : لا حياة له ، ولا سمع ، ولا بصر ، ولا كلام ، ولا إرادة تقوم به ، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا ولغة وشرعا وفطرة ، وهو مقابل لإلحاد المشركين .

( وخامسها ) : تشبيه صفاته - تعالى - بصفات خلقه ، فهو إلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة ، تعالى الله عن إلحادهم علوا كبيرا ، وبرأ الله أتباع رسوله وورثة نبيه القائمين بسنته عن ذلك كله ، فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ، ووصفه به نبيه ، فأثبتوا له الأسماء والصفات ، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات ، فكان إثباتهم بريئا من التمثيل ، وتنزيههم خليا عن التعطيل ، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل . انتهى ملخصا من البدائع ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية