الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8330 ) فصل : وتحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية ; لقول الله تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } . وقال تعالى : { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } . وإنما خص القلب بالإثم ; لأنه موضع العلم بها ، ولأن الشهادة أمانة ، فلزم أداؤها ، كسائر الأمانات . إذا ثبت هذا ، فإن دعي إلى تحمل شهادة في نكاح أو دين أو غيره ، لزمته الإجابة ، وإن كانت عنده شهادة فدعي إلى أدائها لزمه ذلك ، فإن قام بالفرض في التحمل أو الأداء اثنان ، سقط عن الجميع ، وإن [ ص: 155 ] امتنع الكل أثموا ، وإنما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر ، وكانت شهادته تنفع ، فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء ، أو كان ممن لا تقبل شهادته ، أو يحتاج إلى التبذل في التزكية ونحوها ، لم يلزمه ; لقول الله تعالى : { ولا يضار كاتب ولا شهيد } .

                                                                                                                                            وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا ضرر ولا ضرار } . ولأنه لا يلزمه أن يضر بنفسه لنفع غيره . وإذا كان ممن لا تقبل شهادته ، لم يجب عليه ; لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه . وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه ؟ فيه وجهان : أحدهما ، يأثم ; لأنه قد تعين بدعائه ، ولأنه منهي عن الامتناع بقوله : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } . والثاني ، لا يأثم ; لأن غيره يقوم مقامه ، فلم يتعين في حقه ، كما لو لم يدع إليها . فأما قول الله تعالى : { ولا يضار كاتب ولا شهيد } .

                                                                                                                                            فقد قرئ بالفتح والرفع ، فمن رفع فهو خبر ، معناه النهي ، ويحتمل معنيين ; أحدهما ، أن يكون الكاتب فاعلا ; أي لا يضر الكاتب والشهيد من يدعوه ، بأن لا يجيب ، أو يكتب ما لم يستكتب ، أو يشهد ما لم يستشهد به . والثاني ، أن يكون " يضار " فعل ما لم يسم فاعله ، فيكون معناه ومعنى الفتح واحدا ; أي لا يضر الكاتب والشهيد بأن يقطعهما عن شغلهما بالكتابة والشهادة ، ويمنعا حاجتهما . واشتقاق الشهادة من المشاهدة ; لأن الشاهد يخبر عما يشاهده . وقيل : لأن الشاهد بخبره جعل الحاكم كالمشاهد للمشهود عليه ، وتسمى بينة ; لأنها تبين ما التبس ، وتكشف الحق فيما اختلف فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية