الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر

                                                                                                                2663 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا وكيع عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله قال قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لن يعجل شيئا قبل حله أو يؤخر شيئا عن حله ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل قال وذكرت عنده القردة قال مسعر وأراه قال والخنازير من مسخ فقال إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك حدثناه أبو كريب حدثنا ابن بشر عن مسعر بهذا الإسناد غير أن في حديثه عن ابن بشر ووكيع جميعا من عذاب في النار وعذاب في القبر [ ص: 162 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 162 ] قوله : ( قالت أم حبيبة : اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان ، وبأخي معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد سألت الله عز وجل لآجال مضروبة ، وأيام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، ولن يعجل شيئا قبل حله ، أو يؤخر شيئا عن حله ، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار ، أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل ) أما ( حله ) فضبطناه بوجهين فتح الحاء وكسرها في المواضع الخمسة من هذه الروايات ، وذكر القاضي أن جميع الرواة على الفتح ، ومراده رواة بلادهم ، وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر ، وهما لغتان ومعناه وجوبه وحينه . يقال حل الأجل يحل حلا وحلا . وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل ، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك .

                                                                                                                وأما ما ورد في حديث صلة الرحم تزيد في العمر ونظائره فقد سبق تأويله في باب صلة الأرحام واضحا . قال المازري هنا : قد تقرر بالدلائل القطعية أن الله تعالى أعلم بالآجال والأرزاق وغيرها ، وحقيقة العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه ، فإذا علم الله تعالى أن زيدا يموت سنه خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها لئلا ينقلب العلم جهلا ، فاستحال أن الآجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص ، فيتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكله الله بقبض الأرواح ، وأمره فيها بآجال ممدودة فإنه بعد أن يأمره بذلك أو يثبته في اللوح المحفوظ ينقص منه ويزيد على حسب ما سبق به علمه في الأزل ، وهو معنى قوله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعلى ما ذكرناه يحمل قوله تعالى : ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده واعلم أن مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله وقالت المعتزلة : قطع أجله . والله أعلم .

                                                                                                                فإن قيل : ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروغ منه ، وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب ، مع أنه مفروغ منه أيضا كالأجل ؟ فالجواب أن الجميع مفروغ منه ، لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة ، وقد أمر الشرع بالعبادات ، فقيل : أفلا نتكل على كتابنا وما سبق لنا من القدر ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة ، وكما لا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالا على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية