الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب غزوة ذات السلاسل وهي غزوة لخم وجذام قاله إسماعيل بن أبي خالد وقال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة هي بلاد بلي وعذرة وبني القين

                                                                                                                                                                                                        4100 حدثنا إسحاق أخبرنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم [ ص: 674 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 674 ] قوله : ( باب غزوة ذات السلاسل ) تقدم ضبطها وبيان الاختلاف فيها في أواخر مناقب أبي بكر ، قيل : سميت ذات السلاسل ؛ لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا ، وقيل : لأن بها ماء يقال له : السلسل . وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام ، قال : وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة ، وقيل : كانت سنة سبع وبه جزم ابن أبي خالد في كتاب " صحيح التاريخ " ، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة ، إلا ، ابن إسحاق فقال : قبلها . قلت : وهو قضية ما ذكر عن ابن سعد وابن أبي خالد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وهي غزوة لخم وجذام ، قاله إسماعيل بن أبي خالد ) وعند ابن إسحاق أنه ماء لبني جذام ولخم ، أما لخم فبفتح اللام وسكون المعجمة : قبيلة كبيرة شهيرة ينسبون إلى لخم ، واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد ، وأما جذام فبضم الجيم بعدها معجمة خفيفة : قبيلة كبيرة شهيرة أيضا ينسبون إلى عمرو بن عدي وهم إخوة لخم على المشهور ، وقيل : هم من ولد أسد بن خزيمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة : هي بلاد بلي وعذرة وبني القين ) أما يزيد فهو ابن رومان مدني مشهور ، وأما عروة فهو ابن الزبير بن العوام ، وأما القبائل التي ذكرها فالثلاثة بطون من قضاعة ، أما بلي فبفتح الموحدة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء النسب : قبيلة كبيرة ينسبون إلى بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، وأما عذرة فبضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة : قبيلة كبيرة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة ، وأما بنو القين فقبيلة كبيرة أيضا ينسبون إلى القين بن جسر ، ويقال : كان له عبد يسمى القين حضنه فنسب إليه ، وكان اسمه النعمان بن جسر بن شيع الله بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها عين مهملة ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، ووهم ابن التين فقال : بنو القين قبيلة من بني تميم ، وذكر ابن سعد أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ، ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مائتين وأمره أن يلحق بعمرو وأن لا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم بهم فمنعه عمرو وقال : إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير ، فأطاع له أبو عبيدة فصلى بهم عمرو ، وتقدم في التيمم أنه " احتلم في ليلة باردة فلم يغتسل وتيمم وصلى بهم " الحديث . وسار عمرو حتى وطئ بلاد بلي وعذرة .

                                                                                                                                                                                                        وكذا ذكر موسى بن عقبة نحو هذه القصة ، وذكر ابن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من بلي فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرا يستنفر الناس إلى الإسلام ويستألفهم بذلك ، وروى إسحاق بن راهويه والحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا نارا ، فأنكر ذلك عمر ، فقال له أبو بكر : دعه فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبعثه علينا إلا لعلمه بالحرب ، فسكت عنه . فهذا السبب أصح إسنادا من الذي ذكره ابن إسحاق ، لكن لا يمنع الجمع . وروى ابن حبان من طريق قيس بن أبي [ ص: 675 ] حازم عن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه في ذات السلاسل ، فسأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم ، فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال : لا يوقد أحد منهم نارا إلا قذفته فيها . قال : فلقوا العدو فهزمهم ، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم ، فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال : كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم ، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد . فحمد أمره . فقال : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟ الحديث . فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد ، ويجمع بينه وبين حديث بريدة بأن أبا بكر سأله فلم يجبه فسلم له أمره ، وألحوا على أبي بكر حتى يسأله فسأله فلم يجبه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا إسحاق ) هو ابن شاهين ، وخالد هو ابن عبد الله الطحان ، وشيخه خالد هو ابن مهران الحذاء ، وأبو عثمان هو النهدي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل ) هذا صورته مرسل ، بل جزم الإسماعيلي بأنه مرسل ، لكن الحديث موصول لقوله بعد ذلك : " قال : فأتيته " فإن المراد قال : عمرو بن العاص . وأبو عثمان سمع من عمرو بن العاص ، وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى والإسماعيلي من رواية وهب بن بقية ومعلى بن منصور كلهم عن خالد بن عبد الله بالإسناد الذي أخرجه البخاري ، فقال في روايته : " عن أبي عثمان عن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته " فذكر الحديث . وتقدم في مناقب أبي بكر من طريق أخرى عن خالد الحذاء " عن أبي عثمان قال : حدثنا عمرو بن العاص " فذكره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتيته ) في رواية معلى بن منصور المذكورة " قدمت من جيش ذات السلاسل ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - " وعند البيهقي من طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء في هذه القصة " قال عمرو : فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده ، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟ " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فعد رجالا ) في رواية علي بن عاصم قال : قلت في نفسي : لا أعود لمثلها أسأل عن هذا . وفي الحديث جواز تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية ، ومزية أبي بكر على الرجال وبنته عائشة على النساء ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المناقب ، ومنقبة لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمر وإن كان ذلك لا يقتضي أفضليته عليهم لكن يقتضي أن له فضلا في الجملة . وقد روينا في " فوائد أبي بكر بن أبي الهيثم " من حديث رافع الطائي قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشا واستعمل عليهم عمرو بن العاص وفيهم أبو بكر قال : وهي الغزوة التي يفتخر بها أهل الشام . وروى أحمد والبخاري في الأدب وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم من طريق علي بن رباح عن عمرو بن العاص قال : بعث إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرني أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال : يا عمرو ، إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله [ ص: 676 ] ويسلمك ، قلت : إني لم أسلم رغبة في المال . قال : نعم المال الصالح للمرء الصالح وهذا فيه إشعار بأن بعثه عقب إسلامه ، وكان إسلامه في أثناء سنة سبع من الهجرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله في آخر الحديث : ( فسكت ) بتشديد المثناة المضمومة ، هو مقول عمرو




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية