الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 239 ] ( فصل عدة الحامل ) الحرة والأمة عن فراق حي أو ميت ( بوضعه ) أي الحمل للآية ( بشرط نسبته إلى ذي العدة ) من زوج أو واطئ بشبهة ( ولو احتمالا كمنفي بلعان ) وهو حمل ؛ لأن نفيه عنه غير قطعي لاحتمال كذبه ومن ثم لو استلحقه لحقه أما إذا لم يمكن كونه منه كصبي لم يبلغ تسع سنين وممسوح ذكره وأنثياه مطلقا أو ذكره فقط ولم يمكن أن تستدخل منيه وإلا لحقه وإن لم يثبت الاستدخال وعلى هذا التفصيل يحمل بحث البلقيني اللحوق وغيره عدمه ومولود لدون ستة أشهر من العقد فلا تنقضي به ( و ) بشرط ( انفصال كله ) فلا أثر [ ص: 240 ] لخروج بعضه واحتاج لهذا مع قوله أولا بوضعه الصريح في وضع كله لاحتماله للشرطية ومجرد التصوير وزعم أنه لا يقال وضعت إلا إذا انفصل كله مردود ( حتى تأتي توأمين ) ؛ لأنهما حمل واحد كما مر واعلم أن التوم بلا همز اسم لمجموع الولدين فأكثر في بطن واحد من جميع الحيوان ويهمز كرجل توأم وامرأة توأمة مفرد وتثنيته توأمان كما في المتن واعتراضه بأنه لا تثنية له وهم لما علمت من الفرق بين التوم بلا همز والتوأم بالهمز وأن تثنية المتن إنما هي للمهموز لا غير ( ومتى تخلل دون ستة أشهر فتوأمان ) أو ستة فلا بل هما حملان وإلحاق الغزالي الستة بما دونها غلطه فيه الرافعي ولك أن تقول لا غلط ؛ لأنه لا بد من لحظة للوطء أو الاستدخال عقب وضع الأول حتى يكون منه هذا الحمل الثاني وذلك يستدعي ستة أشهر ولحظة فحيث انتفت اللحظة لزم نقص الستة ويلزم من نقصها لحوق الثاني بذي العدة وتوقف انقضائها عليه فإن قلت يمكن مقارنة الوطء أو الاستدخال للوضع فلا يحتاج لتقدير تلك اللحظة قلت هذا في غاية الندور مع أنه يلزم عليه انتفاء الثاني عن ذي العدة مع إمكان كونه منه المصحوب بالغالب كما علمت فلم يجز نفيه عنه مراعاة لذلك الأمر النادر إذ النسب يحتاط له ويكتفى فيه بمجرد الإمكان فتأمله ليندفع به ما وقع هنا لشارح وغيره فيلحق الثاني بذي العدة ؛ لأنه يكتفى في الإلحاق بمجرد الإمكان ويلزم من لحوقه به توقف انقضاء العدة على وضعه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل عدة الحامل إلخ )

                                                                                                                              ( قوله : في المتن عدة الحامل إلخ ) يقبل قول المرأة في وضع ما تنقضي به العدة وظاهره ولو مع كبر بطنها لاحتمال أنه ريح م ر ولو مات الحمل في بطنها وتعذر خروجه لم تنقض عدتها ولم تسقط نفقتها ولو استمر في بطنها مددا طويلة وتضررت بعدم انقضاء العدة ، وكذا لو استمر حيا في بطنها وزاد على أربع سنين حيث ثبت وجوده ولم يحتمل وضع ولا وطء ولا ينافي ذلك قولهم أكثر مدة الحمل أربع سنين ؛ لأنه في مجهول البقاء زيادة على الأربعة حتى لا يلحق نحو المطلق إذا زاد على الأربع وكلامنا في معلوم البقاء زيادة على الأربع هذا هو الذي يظهر وهو حق إن شاء الله ( قوله : أو واطئ بشبهة ) هل يصدق عليه قوله عن فراق حي أو ميت إلا أن يراد بفراق الحي ما يعم الفراق بنحو اعتزال الموطوءة بشبهة ( قوله : وعلى هذا التفصيل إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله : ومولود ) أي : تام ( قوله : في المتن وانفصال كله ) [ ص: 240 ] لو انفصل كله إلا شعرا انفصل عنه وبقي في الجوف لم يؤثر في انقضاء العدة بخلاف ما لو كان الشعر متصلا ، وقد انفصل كله ما عدا ذلك الشعر وكالشعر فيما ذكر الظفر كذا أفتى بذلك م ر ولو كان الحمل غير آدمي فالظاهر انقضاؤها بوضعه م ر .

                                                                                                                              ( قوله : وزعم إلخ ) انظر موقعه مما قبله مع قوله الصريح إلخ اللهم إلا أن يكون إشارة إلى جواب آخر وهو منع أن ذكر الوضع يستلزم انفصال كله فاحتاج للتصريح به ويجاب بأن موقعه التنبيه على وقوع هذا الزعم وأنه مردود ( قوله : غلطه فيه الرافعي ) سبحان الله الرافعي لم يعبر بالتغليط بل عبارته ما نصه : وقوله : في الكتاب وأقصى المدة بين التوأمين ستة أشهر فيه اختلال فإن هذه المدة مدة أقل الحمل وإذا تخللت ستة أشهر كان الثاني حملا آخر والشرط أن يكون المتخلل أقل من ستة ا هـ فإن قيل نسبة الاختلال إليه هو في المعنى تغليط قلنا بتسليم ذلك ، وفي التعبير بالتغليط من الفحش ما ليس في التعبير بالاختلال فلا يليق نسبته لحجة الإسلام خصوصا على لسان الرافعي المعروف بغاية التأدب مع الأئمة وسلامة اللسان من الفحش معهم كما مدحوه بذلك والله أعلم ( قوله : حتى يكون منه ) أي : من الوطء أو الاستدخال ( قوله : حتى يكون إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله : فإن قلت ) أي : كما قال في شرح الروض ( قوله : المصحوب ) نعت لإمكان .

                                                                                                                              ( قوله : وحينئذ فيلحق الثاني إلخ ) ، ثم قوله ويلزم من لحوقه به توقف انقضاء العدة على وضعه أقول هذا وإن قرب من جهة المعنى كيف يسوغ من جهة النقل حتى يجزم باعتماده وعبارة الروضة في هذه المسألة فإن كان بينهما ستة أشهر فصاعدا [ ص: 241 ] فالثاني حمل آخر ا هـ ومن لازم كونه حملا آخر أن لا يتوقف انقضاء العدة على وضعه ، ثم قال في الروضة فرع علق طلاقها بالولادة فولدت ولدين فإن كان بينهما دون ستة أشهر لحقاه وطلقت بالأول وانقضت عدتها بالثاني وإن كان بينهما ستة أشهر فأكثر طلقت بولادة الأول ، ثم إن كان الطلاق بائنا لم يلحقه الثاني ؛ لأن العلوق به لم يكن في نكاح وإن كان رجعيا بني على أن السنين الأربع هل تعتبر من وقت الطلاق أي وهو الأصح كما يأتي في المتن أم من انصرام العدة إن قلنا بالأول لم يلحقه وإن قلنا بالثاني لحقه إذا أتت به لدون أربع سنين من ولادة الأول وتنقضي العدة بوضعه سواء لحقه أم لا لاحتمال وطء الشبهة بعد البينونة كذا قاله ابن الصباغ ا هـ .

                                                                                                                              وعبارة الروض في الشق الثاني من هذا الفرع وإن كان بينهما ستة أشهر لم يلحقه الثاني إن كانت بائنا ، وكذا أي لا يلحقه الثاني إن كانت رجعية وانقضت به العدة ا هـ ، ثم ذكر في الروضة في مسألة ما لو ولدت ثلاثة أولاد ما يوافق ذلك فهذا كله صريح في أنه إذا كان بين الولدين ستة أشهر في مسألتنا لا يلحق الثاني ولا يتوقف انقضاء العدة على وضعه فكيف يسوغ مخالفة ذلك وإن كان مشكلا فليتأمل فإن قلت قياس ما ذكر في فرع الروضة المذكور توقف انقضاء العدة في مسألتنا على وضع الثاني وإن لم يلحقه قلت لا ؛ لأنه إنما انقضت به العدة في فرع الروضة لتأخر الشروع فيها عن وضع الأول فتنقضي بالثاني بخلافه في مسألتنا فإن الشروع فيها سبق وضع الأول والثاني غير لاحق به كما استفيد من فرع الروضة فلا يتوقف انقضاؤها عليه فليتأمل نعم يمكن أن مراد الروضة وغيرها بأن بينهما ستة أشهر غير لحظة الوطء أو الاستدخال ويكون سكوته عن ذلك لظهور إرادته



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              [ ص: 239 ] فصل ) في العدة بوضع الحمل ( قوله : الحرة ) إلى قوله واحتاج في المغني إلا قوله أو ذكره فقط إلى ومولود وإلى قوله واعلم في النهاية ( قوله : عن فراق حي ) بطلاق رجعي أو بائن نهاية ومغني أو بفسخ أو انفساخ رشيدي ( قول المتن بوضعه ) ويقبل قول المرأة في وضع ما تنقضي به العدة وظاهره ولو مع كبر بطنها لاحتمال أنه ريح م ر سم على حج ا هـ ع ش ( قوله : أي الحمل ) ولو مات الحمل في بطنها وتعذر خروجه لم تنقض عدتها ولم تسقط نفقتها ولو استمر في بطنها مددا طويلة وتضررت بعدم انقضاء العدة ، وكذا لو استمر حيا في بطنها وزاد على أربع سنين حيث ثبت وجوده ولم يحتمل وضع ولا وطء ولا ينافي ذلك قولهم أكثر مدة الحمل أربع سنين ؛ لأنه في مجهول البقاء زيادة على الأربع حتى لا يلحق نحو المطلق إذا زاد على الأربع وكلامنا في معلوم البقاء زيادة على الأربع هذا هو الذي يظهر وهو حق إن شاء الله تعالى سم على حج ، وقوله : ولم تسقط نفقتها وكالنفقة السكنى بالأولى .

                                                                                                                              وقوله : وكذا لو استمر إلخ هذا ظاهر حيث ثبت وجوده كما فرضه لكن يبقى الكلام في الثبوت أنه بماذا فإنه حيث علم أن أكثر الحمل أربع سنين وزاد المدة عليها كان الظاهر من ذلك انتفاء الحمل وأن ما تجده في بطنها من الحركة مثلا ليس مقتضيا لكونه حملا نعم إن ثبت ذلك بقول معصوم كعيسى عليه الصلاة والسلام وجب العمل به ا هـ ع ش ( قوله : للآية ) أي : لقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فهو مخصص لآية { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } نهاية ومغني ( قول المتن بشرط نسبته إلخ ) أي بشرط إمكان نسبته إلخ ا هـ مغني ( قوله : أو واطئ بشبهة ) هل يصدق عليه قوله عن فراق حي أو ميت إلا أن يراد بفراق الحي ما يعم الفراق بنحو اعتزال الموطوءة بشبهة ا هـ سم ( قول المتن كمنفي بلعان ) أي : في فرقة الحياة ؛ لأن الملاعنة لا تعتد للوفاة ا هـ نهاية ( قوله : وهو إلخ ) أي : المنفي والجملة حالية ( قوله : لأن نفيه إلخ ) يعني انتفاء نسبة الحمل إلى الملاعن ( قوله : لاحتمال كذبه ) أي : الملاعن ( قوله : مطلقا ) أي : أمكن استدخالها منيه أم لا ا هـ ع ش ( قوله : ولم يمكن أن تستدخل إلخ ) ينبغي أن محله إذا لم تعترف باستدخال المني بأن ساحقها فنزل منيه بفرجها ا هـ ع ش ، وقد مر عنه في أوائل الباب ما يتعلق به راجعه ( قوله : ومولود ) أي تام ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله : دون ستة أشهر إلخ ) أو لأكثر منه وكان بين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك العدة أو لفوق أربع سنين من الفرقة لكن لو ادعت على الأخيرة أنه راجعها أو جدد نكاحها أو وطئها بشبهة وأمكن فهو وإن انتفى عنه تنقضي به عدته مغني وأسنى ( قوله : فلا تنقضي به ) ولا يشترط لاعتبار العدة بالأشهر وضع الحمل بل تنقضي العدة مع وجوده حملا على أنه من زنا ولا حد عليها لعدم تحقق زناها ا هـ ع ش عبارة المغني والحمل المجهول قال الروياني يحمل على أنه من زنا وقال الإمام يحمل على أنه من وطء شبهة تحسينا للظن وجمع بين كلاميهما بحمل الأول على أنه كالزنا في أنه لا تنقضي به العدة والثاني على أنه من شبهة تجنبا عن تحمل الإثم وهو جمع حسن ا هـ ومر عن النهاية ( قول المتن وانفصال كله ) لو [ ص: 240 ] انفصل كله إلا شعرا انفصل عنه وبقي في الجوف لم يؤثر في انقضاء العدة بخلاف ما لو كان الشعر متصلا ، وقد انفصل كله ما عدا ذلك الشعر وكالشعر فيما ذكر الظفر كذا أفتى بذلك م ر ولو كان الحمل غير آدمي فالظاهر انقضاؤها بوضعه م ر ا هـ سم على حج ا هـ ع ش ( قوله : لخروج بعضه ) أي : متصلا أو منفصلا ا هـ مغني ( قوله : واحتاج لهذا إلخ ) عبارة المغني فإن قيل لا حاجة إلى هذا الشرط ؛ لأنه لا يقال وضعت إلا عند انفصال كله أجيب بأن الوضع يصدق بالكل والبعض ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لاحتماله للشرطية ) أي : بأن يكون المعنى بشرط وضع كله ، وقوله : ومجرد التصوير أي بأن يريد أن ذكر وضع الكل صورة مما يصدق عليه الوضع ا هـ ع ش ( قوله : وزعم أنه يقال إلخ ) قال الشهاب سم انظر موقعه مع ما قبله من قوله الصريح إلخ ، ثم قال ويجاب بأن موقعه التنبيه على وقوع هذا الزعم وأنه مردود ا هـ ، وفيه ما فيه إذ كيف يسوغ له رده مع جزمه به أولا ا هـ رشيدي ( قوله : كما مر ) أي : قبيل الباب ( قوله : أو ستة ) إلى الفرع في النهاية ( قوله : غلطه فيه الرافعي ) سبحان الله لم يعبر الرافعي بالتغليظ وإنما قال إن فيه اختلالا فإن قيل إن ذلك في المعنى تغليظ قلنا بتسليم ذلك في التعبير بالتغليظ من الفحش ما ليس في التعبير بالاختلال فلا يليق نسبته لحجة الإسلام خصوصا على لسان الرافعي المعروف بغاية التأدب مع الأئمة وسلامة اللسان من الفحش معهم كما مدحوه بذلك سم على حج أقول والشهاب حج لم ينفرد بنسبة التغليط للرافعي بل سبقه إليه الأذرعي وغيره ا هـ رشيدي ( قوله : ولك أن تقول إلخ ) عبارة النهاية ولمدع ادعاء نفي الخلل إلخ وكل من العبارتين يوهم عدم السبق إلى هذا الجواب وليس كذلك بل هو لابن الرفعة مع مزيد بسط ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله : حتى يكون منه ) أي : من الوطء أو الاستدخال ا هـ سم ولك إرجاع الضمير إلى صاحب العدة ( قوله : وذلك ) أي : لزوم لحظة الوطء أو الاستدخال ( قوله : فحيث انتفت إلخ ) عبارة المغني فإذا وضعت الثاني لستة أشهر من وضع الأول سقط منها ما يسع الوطء فيكون الباقي دون ستة أشهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وتوقف انقضائها ) أي : العدة عليه أي على وضع الثاني من عطف اللازم ( قوله : فإن قلت إلخ ) أي : كما قال الأسنى والمغني ( قوله : المصحوب إلخ ) نعت لإمكان ا هـ سم ( قوله : مراعاة إلخ ) علة للمنفي ، وقوله : إذا النسب إلخ علة للنفي ( قوله : لشارح إلخ ) ومنهم الأسنى والمغني كما أشرنا إليه ( قوله : وحينئذ فيلحق إلخ ) مجرد تأكيد لما قبله قال سم قوله وحينئذ إلخ ، ثم قوله : ويلزم إلخ هذا وإن قرب من جهة المعنى كيف يسوغ من جهة النقل حتى يجزم باعتماده ، ثم قال بعد سوق عبارة الروضة والروض ما نصه : فهذا كله صريح في أنه إذا كان بين الولدين ستة أشهر لا يلحق الثاني ولا يتوقف انقضاء العدة على وضعه فكيف يسوغ مخالفة ذلك وإن كان مشكلا فليتأمل نعم يمكن أن مراد الروضة وغيرها بأن [ ص: 241 ] بينهما ستة أشهر غير لحظة الوطء أو الاستدخال ويكون سكونه عن ذلك لظهور إرادته ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية