الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب قصة الجساسة

                                                                                                                2942 حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي عن جدي عن الحسين بن ذكوان حدثنا ابن بريدة حدثني عامر بن شراحيل الشعبي شعب همدان أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأول فقال حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسنديه إلى أحد غيره فقالت لئن شئت لأفعلن فقال لها أجل حدثيني فقالت نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه أسامة بن زيد وكنت قد حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحبني فليحب أسامة فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أمري بيدك فأنكحني من شئت فقال انتقلي إلى أم شريك وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان فقلت سأفعل فقال لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم وهو رجل من بني فهر فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال أتدرون لم جمعتكم قالوا الله ورسوله أعلم قال إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقالوا ويلك ما أنت فقالت أنا الجساسة قالوا وما الجساسة قالت أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق قال لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا ويلك ما أنت قال قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم قالوا نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا ويلك ما أنت فقالت أنا الجساسة قلنا وما الجساسة قالت اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة فقال أخبروني عن نخل بيسان قلنا عن أي شأنها تستخبر قال أسألكم عن نخلها هل يثمر قلنا له نعم قال أما إنه يوشك أن لا تثمر قال أخبروني عن بحيرة الطبرية قلنا عن أي شأنها تستخبر قال هل فيها ماء قالوا هي كثيرة الماء قال أما إن ماءها يوشك أن يذهب قال أخبروني عن عين زغر قالوا عن أي شأنها تستخبر قال هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين قلنا له نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها قال أخبروني عن نبي الأميين ما فعل قالوا قد خرج من مكة ونزل يثرب قال أقاتله العرب قلنا نعم قال كيف صنع بهم فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه قال لهم قد كان ذلك قلنا نعم قال أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني إني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك فقال الناس نعم فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر الشأم أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق قالت فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث الهجيمي أبو عثمان حدثنا قرة حدثنا سيار أبو الحكم حدثنا الشعبي قال دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب يقال له رطب ابن طاب وأسقتنا سويق سلت فسألتها عن المطلقة ثلاثا أين تعتد قالت طلقني بعلي ثلاثا فأذن لي النبي صلى الله عليه وسلم أن أعتد في أهلي قالت فنودي في الناس إن الصلاة جامعة قالت فانطلقت فيمن انطلق من الناس قالت فكنت في الصف المقدم من النساء وهو يلي المؤخر من الرجال قالت فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب فقال إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر وساق الحديث وزاد فيه قالت فكأنما أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأهوى بمخصرته إلى الأرض وقال هذه طيبة يعني المدينة وحدثنا الحسن بن علي الحلواني وأحمد بن عثمان النوفلي قالا حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقط إلى جزيرة فخرج إليها يلتمس الماء فلقي إنسانا يجر شعره واقتص الحديث وقال فيه ثم قال أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت البلاد كلها غير طيبة فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدثهم قال هذه طيبة وذاك الدجال حدثني أبو بكر بن إسحق حدثنا يحيى بن بكير حدثنا المغيرة يعني الحزامي عن أبي الزناد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر فقال أيها الناس حدثني تميم الداري أن أناسا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة فخرجوا إلى جزيرة في البحر وساق الحديث [ ص: 385 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 385 ] باب قصة الجساسة

                                                                                                                هي بفتح الجيم وتشديد السين المهملة الأولى . قيل : سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال .

                                                                                                                وجاء عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن .

                                                                                                                قوله : ( عن فاطمة بنت قيس قالت : نكحت ابن المغيرة ، وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن ) معنى ( تأيمت ) صرت أيما ، وهي التي لا زوج لها . قال العلماء : قولها : ( فأصيب ) ليس معناه أنه قتل في الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وتأيمت بذلك ، إنما تأيمت بطلاقه البائن كما ذكره مسلم في الطريق الذي بعد هذا ، وكذا ذكره في كتاب الطلاق ، وكذا ذكره المصنفون في جميع كتبهم . وقد اختلفوا في وقت وفاته فقيل : توفي مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه عقب طلاقها باليمن ، حكاه ابن عبد البر . وقيل : بل عاش إلى خلافة عمر رضي الله عنه ، حكاه البخاري في التاريخ . وإنما معنى قولها : فأصيب أي بجراحة ، [ ص: 386 ] أو أصيب في ماله ، أو نحو ذلك هكذا تأوله العلماء .

                                                                                                                قال القاضي : إنما أرادت بذلك عد فضائله ، فابتدأت بكونه خير شباب قريش ، ثم ذكرت الباقي .

                                                                                                                وقد سبق شرح حديث فاطمة هذا في كتاب الطلاق وبيان ما اشتمل عليه .

                                                                                                                قوله : ( وأم شريك من الأنصار ) هذا قد أنكره بعض العلماء ، وقال : إنما هي قرشية من بني عامر بن لؤي ، واسمها غربة ، وقيل : غربلة ، وقال آخرون : هما ثنتان قرشية وأنصارية .

                                                                                                                قوله : ( ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم وهو رجل من بني فهر فهر قريش ، وهو من البطن الذي هي منه ) هكذا هو في جميع النسخ . وقوله ( ابن أم مكتوم ) يكتب بألف لأنه صفة لعبد الله لا لعمرو ، فنسبه إلى أبيه عمرو ، وإلى أمه أم مكتوم ، فجمع نسبه إلى أبويه كما في عبد الله بن مالك ابن بحينة ، وعبد الله بن أبي ابن سلول ، ونظائر ذلك ، وقد سبق بيان هؤلاء كلهم في كتاب الإيمان في حديث المقداد حين قتل من قال لا إله إلا الله . قال القاضي : المعروف أنه ليس بابن عمها ، ولا من البطن الذي هي منه ، بل من بني محارب بن فهر ، وهو من بني عامر بن لؤي هذا كلام القاضي . والصواب أن ما جاءت به الرواية صحيح ، والمراد بالبطن هنا القبيلة لا البطن الذي هو أخص منها ، والمراد أنه ابن عمها مجازا لكونه من قبيلتها ، فالرواية صحيحة ولله الحمد .

                                                                                                                [ ص: 387 ] قوله : ( الصلاة جامعة ) هو بنصب الصلاة وجامعة ، الأول على الإغراء ، والثاني على الحال .

                                                                                                                قولها ( فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن ) إلى آخره ظاهره أن الخطبة كانت في نفس العدة ، وليس كذلك إنما كانت بعد انقضائها كما صرح به في الأحاديث السابقة في كتاب الطلاق ، فيتأول هذا اللفظ الواقع هنا على ذلك ، ويكون قوله : انتقلي إلى أم شريك وإلى ابن أم مكتوم مقدما على الخطبة وعطف جملة على جملة من غير ترتيب .

                                                                                                                [ ص: 388 ] قوله صلى الله عليه وسلم ( عن تميم الداري : حدثني أنه ركب سفينة ) هذا معدود في مناقب تميم لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة .

                                                                                                                وفيه رواية الفاضل عن المفضول ، ورواية المتبوع عن تابعه .

                                                                                                                وفيه قبول خبر الواحد .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم أرفئوا إلى جزيرة ) هو بالهمزة أي التجئوا إليها

                                                                                                                قوله : ( فجلسوا في أقرب السفينة ) هو بضم الراء وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم ، الجمع قوارب ، والواحد قارب بكسر الراء وفتحها ، وجاء هنا ( أقرب ) ، وهو صحيح لكنه خلاف القياس . وقيل : المراد بأقرب السفينة أخرياتها ، وما قرب منها للنزول .

                                                                                                                [ ص: 389 ] قوله : ( دابة أهلب ) كثير الشعر ، الأهلب غليظ الشعر كثيره .

                                                                                                                قوله : ( فإنه إلى خبركم بالأشواق ) أي شديد الأشواق إليه .

                                                                                                                وقوله : ( فرقنا ) أي خفنا .

                                                                                                                قوله : ( صادفنا البحر حين اغتلم ) أي هاج وجاوز حده المعتاد ، وقال الكسائي : الاغتلام أن يتجاوز الإنسان ما حد له من الخير والمباح .

                                                                                                                قوله : ( عين زغر ) بزاي معجمة مضمومة ثم غين معجمة مفتوحة ثم راء ، وهي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام . وأما ( طيبة ) فهي المدينة ، وتقال لها أيضا ( طابة ) ، وسبق في كتاب الحج اشتقاقها مع باقي أسمائها .

                                                                                                                قوله : ( بيده السيف صلتا ) بفتح الصاد وضمها أي مسلولا .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قبل المشرق ما هو ) قال القاضي لفظة ( ما هو ) زائدة صلة للكلام ليست بنافية ، والمراد إثبات أنه في جهات المشرق .

                                                                                                                [ ص: 390 ] قوله : ( فأتحفتنا برطب يقال له رطب ابن طاب ، وسقتنا سويق سلت ) أي ضيفتنا بنوع من الرطب ، وقد سبق بيانه ، وسبق أن تمر المدينة مائة وعشرون نوعا . و ( سلت ) بضم السين وإسكان اللام وبتاء مثناة فوق ، وهو حب يشبه الحنطة ، ويشبه الشعير .

                                                                                                                قوله : ( تاهت به سفينته ) أي سلكت عن الطريق .




                                                                                                                الخدمات العلمية