الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يا‏

                                                          يا : حرف نداء ، وهي عاملة في الاسم الصحيح وإن كانت حرفا ، والقول في ذلك أن ليا في قيامها مقام الفعل خاصة ليست للحروف ، وذلك أن الحروف قد تنوب عن الأفعال كهل فإنها تنوب عن أستفهم ، وكما ولا فإنهما ينوبان عن أنفي ، وإلا تنوب عن أستثني ، وتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف هي الناصبة في الأصل ، فلما انصرفت عنها إلى الحرف طلبا للإيجاز ورغبة عن الإكثار أسقطت عمل تلك الأفعال ليتم لك ما انتحيته من الاختصار ، وليس كذلك يا ، وذلك أن يا نفسها هي العامل الواقع على زيد ، وحالها في ذلك حال أدعو وأنادي ، فيكون كل واحد منهما هو العامل في المفعول ، وليس كذلك ضربت وقتلت ونحوه ، وذلك أن قولك : ضربت زيدا وقتلت بشرا العامل الواصل إليهما المعبر بقولك : ضربت عنه ليس هو نفس " ض ر ب ت " إنما ثم أحداث هذه الحروف دلالة عليها ، وكذلك القتل والشتم والإكرام ونحو ذلك ، وقولك : أنادي عبد الله ، وأكرم عبد الله ليس هنا فعل واقع على عبد الله غير هذا اللفظ ، ويا نفسها في المعنى كأدعو ، ألا ترى أنك إنما تذكر بعد يا اسما واحدا ، كما تذكره بعد الفعل المستقل بفاعله ، إذا كان متعديا إلى واحد كضربت زيدا ؟ وليس كذلك حرف الاستفهام وحرف النفي ، وإنما تدخلها على الجملة المستقلة ، فتقول : ما قام زيد وهل زيد أخوك ، فلما قويت يا في نفسها وأوغلت في شبه الفعل تولت بنفسها العمل ; وقوله أنشده أبو زيد :


                                                          فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال يالا



                                                          قال ابن جني : سألني أبو علي عن ألف يا من قوله في قافية هذا البيت يالا فقال : أمنقلبة هي ؟ قلت : لا لأنها في حرف أعني يا ، فقال : بل هي منقلبة ، فاستدللت على ذلك ، فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها ووقف عليها فصارت اللام كأنها جزء منها فصارت يال بمنزلة قال ، والألف في موضع العين ، وهي مجهولة فينبغي أن يحكم عليها بالانقلاب عن واو ، وأراد يال بني فلان ونحوه . التهذيب : تقول : إذا ناديت الرجل آفلان وأفلان وآيا فلان ، بالمد ، وفي ياء النداء لغات ، تقول : يا فلان ، أيا فلان ، آيا فلان ، أفلان ، هيا فلان ، الهاء مبدلة من الهمز في أيا فلان ، وربما قالوا : فلان بلا حرف النداء أي : يا فلان . قال ابن كيسان : في حروف النداء ثمانية أوجه : يا زيد ووازيد وأزيد وأيا زيد وهيا زيد وأي زيد وآيا زيد وزيد ; وأنشد :


                                                          ألم تسمعي أي عبد في رونق الضحى [ ص: 304 ]     غناء حمامات لهن هديل



                                                          وقال :


                                                          هيا أم عمرو هل لي اليوم عندكم     بغيبة أبصار الوشاة رسول ؟


                                                          وقال :


                                                          أخالد مأواكم لمن حل واسع

                                                          وقال :


                                                          أيا ظبية الوعساء بين حلاحل



                                                          التهذيب : وللياءات ألقاب تعرف بها كألقاب الألفات : فمنها ياء التأنيث في مثل اضربي وتضربين ولم تضربي ، وفي الأسماء : ياء حبلى وعطشى ، يقال : هما حبليان وعطشيان وجماديان وما أشبهها ، وياء ذكرى وسيما ; ومنها : ياء التثنية والجمع كقولك رأيت الزيدين وفي الجمع رأيت الزيدين ، وكذلك رأيت الصالحين والصالحين ، والمسلمين والمسلمين ; ومنها : ياء الصلة في القوافي كقوله :


                                                          يا دار مية بالعلياء فالسندي



                                                          فوصل كسرة الدال بالياء ، والخليل يسميها ياء الترنم ، يمد بها القوافي ، والعرب تصل الكسرة بالياء ; أنشد الفراء :


                                                          لا عهد لي بنيضال     أصبحت كالشن البالي



                                                          أراد : بنضال ; وقال :


                                                          على عجل مني     أطأطئ شيمالي



                                                          أراد : شمالي فوصل الكسرة بالياء ; ومنها : ياء الإشباع في المصادر والنعوت كقولك : كاذبته كيذابا وضاربته ضيرابا أراد كذابا وضرابا ، وقال الفراء : أرادوا أن يظهروا الألف التي في ضاربته في المصدر فجعلوها ياء لكسرة ما قبلها ; ومنها : ياء مسكين وعجيب ، أرادوا بناء مفعل وبناء فعل فأشبعوا بالياء ، ومنها : الياء المحولة مثل ياء الميزان والميعاد ، وقيل : دعي ومحي ، وهي في الأصل واو فقلبت ياء لكسرة ما قبلها ; ومنها : ياء النداء كقولك يا زيد ، ويقولون : أزيد ; ومنها ياء الاستنكار كقولك : مررت بالحسن ، فيقول المجيب مستنكرا لقوله : ألحسنيه ، مد النون بياء وألحق بها هاء الوقفة ; ومنها : ياء التعايي كقولك : مررت بالحسني ثم تقول : أخي بني فلان ، وقد فسرت في الألفات في ترجمة آ ، ومن باب الإشباع ياء مسكين وعجيب ، وما أشبهها أرادوا بناء مفعل ، بكسر الميم والعين ، وبناء فعل فأشبعوا كسرة العين بالياء ، فقالوا : مفعيل وعجيب ، ومنها : ياء مد المنادي كندائهم : يا بشر ، يمدون ألف يا ويشددون باء بشر ، ويمدونها بياء يا بيشر ، يمدون كسرة الباء بالياء فيجمعون بين ساكنين ويقولون : يا منذير ، يريدون يا منذر ، ومنهم من يقول : يا بشير فيكسرون الشين ويتبعونها الياء يمدونها بها يريدون يا بشر ; ومنها : الياء الفاصلة في الأبنية مثل ياء صيقل وياء بيطار وعيهرة وما أشبهها ; ومنها : ياء الهمزة في الخط مرة وفي اللفظ أخرى . فأما الخط فمثل ياء قائم وسائل وشائل صورت الهمزة ياء وكذلك من شركائهم وأولئك وما أشبهها ، وأما اللفظ فقولهم : في جمع الخطيئة خطايا ، وفي جمع المرآة مرايا ، اجتمعت لهم همزتان فكتبوهما وجعلوا إحداهما ألفا ; ومنها : ياء التصغير كقولك في تصغير عمرو : عمير ، وفي تصغير رجل رجيل ، وفي تصغير ذا ذيا ، وفي تصغير شيخ شويخ ; ومنها : الياء المبدلة من لام الفعل كقولهم الخامي والسادي للخامس والسادس ، يفعلون ذلك في القوافي وغير القوافي ; ومنها ياء الثعالي ، يريدون الثعالب ; وأنشد :


                                                          ولضفادي جمه نقانق

                                                          يريد : ولضفادع ; وقال الآخر :


                                                          إذا ما عد أربعة فسال     فزوجك خامس وأبوك سادي



                                                          ومنها : الياء الساكنة تترك على حالها في موضع الجزم في بعض اللغات ; وأنشد الفراء :


                                                          ألم يأتيك والأنباء تنمي     بما لاقت لبون بني زياد


                                                          فأثبت الياء في يأتيك ، وهي في موضع جزم ; ومثله قولهم :


                                                          هزي إليك الجذع يجنيك الجنى



                                                          كان الوجه أن يقول يجنك بلا ياء ، وقد فعلوا مثل ذلك في الواو ; وأنشد الفراء :


                                                          هجوت زبان ثم جئت معتذرا     من هجو زبان لم تهجو ولم تدع



                                                          ومنها : ياء النداء وحذف المنادى وإضماره كقول الله - عز وجل - على قراءة من قرأ : ألا يسجدوا لله ; بالتخفيف ، المعنى ألا يا هؤلاء اسجدوا لله ; وأنشد :


                                                          يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم     أم الهنينين من زند لها واري


                                                          كأنه أراد : يا قوم قاتل الله صبيانا ; ومثله قوله :


                                                          يا من رأى بارقا أكفكفه     بين ذراعي وجبهة الأسد



                                                          كأنه دعا : يا قوم يا إخوتي ، فلما أقبلوا عليه قال من رأى ; ومنها : ياء نداء ما لا يجيب تنبيها لمن يعقل ، من ذلك ; قال الله تعالى : يا حسرة على العباد ، و يا ويلتى أألد وأنا عجوز ; والمعنى أن استهزاء العباد بالرسل صار حسرة عليهم فنوديت تلك الحسرة تنبيها للمتحسرين ، المعنى يا حسرة على العباد أين أنت فهذا أوانك ، وكذلك ما أشبهه ; ومنها : ياءات تدل على أفعال بعدها في أوائلها ياءات ; وأنشد بعضهم :


                                                          ما للظليم عاك كيف لا يا     ينقد عنه جلده إذا يا
                                                          يذرى التراب خلفه إذ رايا

                                                          أراد : كيف لا ينقد جلده إذا يذرى التراب خلفه ; ومنها : ياء الجزم المنبسط ، فأما ياء الجزم المرسل فكقولك : أقضي الأمر ، وتحذف لأن قبل الياء كسرة تخلف منها ، وأما ياء الجزم المنبسط فكقولك : رأيت عبدي الله ، ومررت بعبدي الله ، لم يكن قبل الياء كسرة فتكون عوضا منها فلم تسقط ، وكسرت لالتقاء الساكنين ولم تسقط لأنه ليس منها خلف . ابن السكيت : إذا كانت الياء زائدة في حرف رباعي أو خماسي أو ثلاثي فالرباعي كالقهقرى والخوزلى وبعير جلعبى ، فإذا [ ص: 305 ] ثنته العرب أسقطت الياء فقالوا : الخوزلان والقهقران ، ولم يثبتوا الياء فيقولوا : الخوزليان ولا القهقريان لأن الحرف كرر حروفه ، فاستثقلوا مع ذلك جمع الياء مع الألف ، وذلك أنهم يقولون في نصبه : لو ثني على هذا الخوزليين فثقل وسقطت الياء الأولى ، وفي الثلاثي إذا حركت حروفه كلها مثل الجمزى والوثبى ، ثم ثنوه فقالوا : الجمزان والوثبان ورأيت الجمزين والوثبين ; قال الفراء : ما لم يجتمع فيه ياءان كتبته بالياء للتأنيث ، فإذا اجتمع الياءان كتبت إحداهما ألفا لثقلهما .

                                                          الجوهري : يا حرف من حروف المعجم ، وهي من حروف الزيادات ومن حروف المد واللين ، وقد يكنى بها عن المتكلم المجرور ، ذكرا كان أو أنثى ، نحو قولك : ثوبي وغلامي ، وإن شئت فتحتها ، وإن شئت سكنت ، ولك أن تحذفها في النداء خاصة ، تقول : يا قوم ويا عباد ، بالكسر ، فإن جاءت بعد الألف فتحت لا غير نحو عصاي ورحاي ، وكذلك إن جاءت بعد ياء الجمع كقوله تعالى : وما أنتم بمصرخي ; وأصله بمصرخيني ، سقطت النون للإضافة ، فاجتمع الساكنان فحركت الثانية بالفتح لأنها ياء المتكلم ردت إلى أصلها ، وكسرها بعض القراء توهما أن الساكن إذا حرك حرك إلى الكسر ، وليس بالوجه ، وقد يكنى بها عن المتكلم المنصوب إلا أنه لا بد له من أن تزاد قبلها نون وقاية للفعل ليسلم من الجر ، كقولك : ضربني ، وقد زيدت في المجرور في أسماء مخصوصة لا يقاس عليها نحو مني وعني ولدني وقطني ، وإنما فعلوا ذلك ليسلم السكون الذي بني الاسم عليه ، وقد تكون الياء علامة للتأنيث كقولك : إفعلي وأنت تفعلين ، قال : وويا حرف ينادي به القريب والبعيد ، تقول : يا زيد أقبل ; وقول كليب بن ربيعة التغلبي :


                                                          يا لك من قبرة بمعمر     خلا لك الجو فبيضي واصفري


                                                          فهي كلمة تعجب . وقال ابن سيده : الياء حرف هجاء وهو حرف مجهور يكون أصلا وبدلا وزائدا ، وتصغيرها يوية . وقصيدة واوية إذا كانت على الواو ، وياوية على الياء . وقال ثعلب : ياوية ويائية جميعا ، وكذلك أخواتها ، فأما قولهم : يييت ياء فكان حكمه يويت ولكنه شذ وكلمة ميواة من بنات الياء . وقال الليث : موياة أي : مبنية من بنات الياء ; قال : فإذا صغرت الياء قلت : أيية . ويقال : أشبهت ياؤك يائي وأشبهت ياءك بوزن ياعك ، فإذا ثنيت قلت : ياءي بوزن ياعي . وقال الكسائي : جائز أن تقول : يييت ياء حسنة . قال الخليل : وجدت كل واو أو ياء في الهجاء لا تعتمد على شيء بعدها ترجع في التصريف إلى الياء نحو يا وفا وطا ونحوه . قال الجوهري : وأما قوله تعالى : ( ألا يا اسجدوا ) ، بالتخفيف ، فالمعنى يا هؤلاء اسجدوا ، فحذف المنادى اكتفاء بحرف النداء كما حذف حرف النداء اكتفاء بالمنادى في قوله تعالى : يوسف أعرض عن هذا ; إذ كان المراد معلوما ; وقال بعضهم : إن يا في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال : ألا اسجدوا ، فلما أدخل عليه يا التنبيه سقطت الألف التي في اسجدوا لأنها ألف وصل ، وذهبت الألف التي في يا لاجتماع الساكنين لأنها والسين ساكنتان ; وأنشد الجوهري لذي الرمة هذا البيت وختم به كتابه ، والظاهر أنه قصد بذلك تفاؤلا به ، وقد ختمنا نحن أيضا به كتابنا ، وهو :


                                                          ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى     ولا زال منهلا بجرعائك القطر



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية