الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        344 - الحديث الخامس : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال [ ص: 611 ] { لما فتح الله - تعالى - على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله عز وجل قد حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها ساعتي هذه : حرام ، لا يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا يعضد شوكها ، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد . ومن قتل له قتيل : فهو بخير النظرين : إما أن يقتل ، وإما أن يدي ، فقام رجل من أهل اليمن - يقال له : أبو شاه فقال : يا رسول الله ، اكتبوا لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتبوا لأبي شاه ، ثم قام العباس فقال : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر } .

                                        التالي السابق


                                        فيه مسائل ، سوى ما تقدم في باب الحج . الأولى : قوله عليه السلام " إن الله حبس عن مكة الفيل " هذه الرواية الصحيحة في الحديث . و " الفيل " بالفاء والياء آخر الحروف ، وشذ بعض الرواة فقال " الفيل ، أو القتل " والصحيح : الأول . وحبسه : حبس أهله الذين جاءوا للقتال في الحرم .

                                        الثانية : قوله عليه السلام " وسلط عليها رسوله والمؤمنين " يستدل به من رأى أن فتح مكة كان عنوة . فإن التسليط الذي وقع للرسول : مقابل للحبس الذي وقع للفيل وهو الحبس عن القتال وقد مر ما يتعلق بالقتال بمكة .

                                        الثالثة : التحريم المشار إليه يجمعه إثبات حرمات ، تتضمن تعظيم المكان . منها : تحريم القتل ، وتحريم القتل : هو ما ذكر في الحديث .

                                        الرابعة : اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد على قولين : أحدهما : أن [ ص: 612 ] الموجب هو القصاص عينا . والثاني : أن الموجب أحد الأمرين : إما القصاص أو الدية ، والقولان للشافعي

                                        . ومن فوائد هذا الخلاف : أن من قال : الموجب هو القصاص قال : ليس للولي حق أخذ الدية بغير رضى القاتل . وقيل على هذا القول : للولي حق إسقاط القصاص ، وأخذ الدية بغير رضى القاتل ، وثمرة هذا القول على هذا تظهر في عفو الولي ، وموت القاتل ، فعلى قول التخيير : يأخذ المال في الموت لا في العفو ، وعلى قول التعيين يأخذ المال بالعفو عن الدية ، لا في الموت . ويستدل بهذا الحديث على أن الواجب أحد الأمرين وهو ظاهر الدلالة . ومن يخالف قال في معناه وتأويله : إن شاء أخذ الدية برضى القاتل ، إلا أنه لم يذكر الرضى ، لثبوته عادة وقيل : إنه كقوله عليه السلام فيما ذكر " خذ سلمك ، أو رأس مالك " يعني : رأس مالك برضى المسلم إليه ، لثبوته عادة ; لأن السلم بأبخس الأثمان . فالظاهر : أنه يرضى بأخذ رأس المال ، وهذا الحديث المستشهد به : يحتاج إلى إثباته .



                                        الخامسة : كان قد وقع اختلاف في الصدر الأول في كتابة غير القرآن وورد فيه نهي ثم استقر الأمر بين الناس على الكتابة ، لتقييد العلم بها ، وهذا الحديث يدل على ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في الكتابة لأبي شاه والذي أراد أبو شاه كتابته : هو خطبة النبي صلى الله عليه وسلم .




                                        الخدمات العلمية