الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        باب حد الخمر

                                        358 - الحديث الأول : عن أنس بن مالك رضي الله عنه { أن [ ص: 633 ] النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر ، فجلده بجريدة نحو أربعين } .

                                        التالي السابق


                                        قال وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار الناس ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانون ، فأمر به عمر . لا خلاف في الحد على شرب الخمر واختلفوا في مقداره فمذهب الشافعي : أنه أربعون واتفق أصحابه : أنه لا يزيد على الثمانين وفي الزيادة على الأربعين إلى الثمانين : خلاف والأظهر : الجواز . ولو رأى الإمام أن يحده بالنعال وأطراف الثياب كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم جاز ، ومنهم من منع ذلك ، تعليلا بعسر الضبط ، وظاهر قوله " فجلده بجريدة نحو أربعين " أن هذا العدد : هو القدر الذي ضرب به .

                                        وقد وقع في رواية الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر { : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اضربوه فضربوه بالأيدي والنعال ، وأطراف الثياب . } وفي الحديث " قال : فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك الضرب ؟ فقومه أربعين ، فضرب أبو بكر في الخمر أربعين " ففسره بعض الناس ، وقال : أي قدر الضرب الذي ضربه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب : فكان مقدار أربعين ضربة لا أنها عددا أربعون بالثياب والنعال والأيدي ، إنما قايس مقدار ما ضربه ذلك الشارب فكان : مقدار أربعين عصا ، فلذلك قال " فقومه " أي جعل قيمته أربعين وهذا عندي خلاف الظاهر . ويبعده : قوله { إن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين } فإنه لا ينطلق إلا [ ص: 634 ] على عدد كثير من الضرب بالأيدي والنعال . وتسليط التأويل على لفظة قومه " أنها بمعنى " قدر ما وقع " فكأن أربعين - أقرب من تسليط هذا صدق قولنا " جلد أربعين " حقيقة . وقوله " فقال عبد الرحمن : أخف الحدود ثمانون " ويروى بالنصب " أخف الحدود ثمانين " أي اجعله ، وما يقارب ذلك . وفيه دليل على المشاورة في الأحكام ، والقول فيها بالاجتهاد . وقيل : إن الذي أشار بالثمانين : هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقد يستدل به من يرى الحكم بالقياس أو الاستحسان . وقوله " فلما كان عمر " يجوز أن يكون على حذف مضاف أي فلما كان زمن ولاية عمر ، وما يقارب ذلك . ومذهب مالك : أن حد الخمر ثمانون ، على ما وقع في زمن عمر .




                                        الخدمات العلمية