الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 120 ] الركن الثاني : العمل ، وله شروط .

                                                                                                                                                                        الأول : أن يكون تجارة ، ويتعلق بهذا الشرط مسائل .

                                                                                                                                                                        الأولى : لو قارضه على أن يشتري الحنطة فيطحنها ويخبزها ، والطعام ليطبخه ويبيعه ، والغزل لينسجه ، والثوب ليقصره ، أو يصبغه ، والربح بينهما ، فهو فاسد . ولو اشترى العامل الحنطة ، وطحنها من غير شرط ، فوجهان . أحدهما ، وهو قول القاضي حسين وآخرين : يخرج الدقيق عن كونه رأس مال قراض . فإن لم يكن في يده غيره ، انفسخ القراض ، لأن الربح حينئذ لا يحال على البيع والشراء فقط . وعلى هذا لو أمر المالك العامل بطحن حنطة القراض ، كان فسخا للقراض . وأصحهما : أن القراض بحاله ، كما لو زاد عبد القراض بكبر ، أو سمن ، أو تعلم صنعة ، فإنه لا يخرج عن كونه مال قراض ، لكن إن استقل العامل بالطحن ، صار ضامنا ، ولزمه الغرم إن نقص الدقيق . فإن باعه ، لم يكن الثمن مضمونا عليه ، لأنه لم يتعد فيه ، ولا يستحق العامل بهذه الصناعات أجرة ولو استأجر عليها ، والأجرة عليه ، والربح بينه وبين المالك كما شرطا .

                                                                                                                                                                        الثانية : قارضه على دراهم على أن يشتري نخيلا ، أو دواب ، أو مستغلات ويمسك رقابها لثمارها ونتاجها وغلاتها ، وتكون الفوائد بينهما ، فهو فاسد ، لأنه ليس ربحا بالتجارة ، بل من عين المال .

                                                                                                                                                                        الثالثة : شرط أن يشتري شبكة ويصطاد بها والصيد بينهما ، فهو فاسد ، ويكون الصيد للصائد ، وعليه أجرة الشبكة .

                                                                                                                                                                        الشرط الثاني : أن لا يكون مضيقا عليه بالتعيين . فلو عين نوعا يندر كالياقوت الأحمر والخز الأدكن والخيل العتق ، والصيد حيث يندر ، فسد القراض ، لأنه تضييق يخل بالمقصود . وإن لم يندر ، ودام شتاء وصيفا كالحبوب ، والحيوان ، والخز ، [ ص: 121 ] والبز ، صح القراض . وإن لم يدم ، كالثمار الرطبة ، فوجهان . أصحهما : الجواز ، والثاني : المنع ، إلا إذا قال : تصرف فيه ، فإذا انقطع ، فتصرف في كذا ، فيجوز . ولو قال : لا تشتر إلا هذه السلعة ، أو إلا هذا العبد ، فسد ، بخلاف ما لو قال : لا تشتر هذه السلعة ، لأنه يمكن شراء غيرها . ولو قال : لا تبع إلا لزيد ، أو لا تشتر إلا منه ، لم يجز ، وقال الماسرجسي : إن كان المعين بياعا لا ينقطع عنده المتاع الذي يتجر في نوعه غالبا ، جاز تعيينه ، والمعروف الأول . ولو قال : لا تبع لزيد ولا تشتر منه . جاز على الصحيح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يشترط تعيين نوع يتصرف فيه على الصحيح ، بخلاف الوكالة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته كما في سائر التصرفات المستفادة بالإذن . ثم الإذن في البز يتناول ما يلبس من المنسوج ، من الإبريسم والقطن ، والكتان والصوف ، دون البسط ، والفرش . وفي الأكسية وجهان ، لأنها ملبوسة ، لكن لا يسمى بائعها بزازا .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : المنع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الشرط الثالث : أن لا يضيق بالتوقيت ، ولا يعتبر في القراض بيان المدة ، بخلاف المساقاة ، لأن مقصودها وهو الثمرة ، ينضبط بالمدة . فلو وقت فقال : قارضتك [ ص: 122 ] سنة ، فإن منعه من التصرف بعدها مطلقا ، أو من البيع ، فسد ، لأنه يخل بالمقصود . وإن قال : على أن لا تشتري بعد السنة ، ولك البيع ، صح على الأصح ، لأن المالك يتمكن من منعه من الشراء متى شاء ، بخلاف البيع . ولو اقتصر على قوله : قارضتك سنة ، فسد على الأصح . وعلى الثاني : يجوز ، ويحمل على المنع من الشراء ، استدامة للعقد . ولو قال : قارضتك سنة على أن لا أملك الفسخ قبل انقضائها ، فسد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجوز أن يعلق القراض ، فيقول : إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك ، كما لا يعلق البيع ونحوه . ولو قال : قارضتك الآن ولا تتصرف حتى ينقضي الشهر ، فقيل : يجوز كالوكالة . والأصح : لا يجوز ، كقوله : بعتك ولا تملك إلا بعد شهر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية