الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 231 ] باب الغسل :

179 - ( 1 ) - حديث : { أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة . وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي }متفق عليه ، من حديث عائشة ، بلفظ : { فاغسلي عنك الدم وصلي }وفي رواية للبخاري : { ثم اغتسلي وصلي }. وفي رواية لابن منده : { فلتغتسل ولتصل }واستدل البيهقي على أنها كانت مميزة بقوله في الحديث : { دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها }ثم قال : ويحتمل أنه كان لها حالتان ، حالة تميز ، وحالة لا تميز ، فأمرها بالرجوع إلى العادة .

حديث : { إنما الماء من الماء }كرره في موضع آخر منه ، وقد رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري مطولا ، وفيه قصة عتبان بن مالك ، واقتصر البخاري على القصة ، دون قوله : { الماء من الماء } ، ورواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان ، بلفظ الباب ، ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه [ ص: 232 ] والطبراني من حديث أبي أيوب ورواه أحمد ، من حديث رافع بن خديج ، ومن حديث عتبان بن مالك ، والطحاوي من حديث أبي هريرة ، وابن شاهين في ناسخه ، من حديث أنس ، وقد جمع طرقه الحازمي ، وقبله ابن شاهين .

180 - ( 2 حديث عائشة : { إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا } الشافعي في الأم أنا الثقة ، عن الأوزاعي ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، أو عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم ، عنها ، وفي مختصر المزني .

وذكره عن عبد الرحمن بن القاسم بلا شك ، وفي سنن حرملة ، رواه عن الوليد بن مسلم . عن الأوزاعي ، عن عبد الرحمن من غير شك ، وهكذا رواه أحمد في مسنده عن الوليد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني عبد الرحمن بن القاسم به ، قال النسائي : أنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا الوليد ، به . والترمذي ثنا محمد بن المثنى ، ثنا الوليد ، ثم قال : حسن صحيح ، وصححه [ ص: 233 ] أيضا ابن حبان وابن القطان ، وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه ، ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا ، واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال : سألت القاسم بن محمد ، سمعت في هذا الباب شيئا ؟ فقال : لا . وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ، ثم تذكر فحدث به ابنه ، أو كان حدث به ابنه ثم نسي ، ولا يخلو الجواب عن نظر .

( تنبيه ) : قال النووي في التنقيح : هذا الحديث أصله صحيح ، إلا أن فيه تغييرا ، وتبع في ذلك ابن الصلاح ، فإنه قال في مشكل الوسيط : هو ثابت من حديث عائشة بغير هذا اللفظ ، وأما بهذا اللفظ فغير مذكور ، انتهى .

وقد عرف من رواية الشافعي ومن تابعه ، أنه مذكور باللفظ المذكور ، وأصله في مسلم ، بلفظ : { إذا جلس بين شعبها الأربع ، ومس الختان الختان ، فقد وجب الغسل }. حديث عائشة : { إذا التقى الختانان وجب الغسل }تقدم قبله . ( فائدة ) ذهب الجمهور إلى نسخ حديث { إنما الماء من الماء }وأوله ابن عباس ، فقال : إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الماء من الماء ، في الاحتلام }أخرجه الطبراني ، وأصله في الترمذي ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي إسناده لين ، لأنه من رواية شريك ، عن أبي الجحاف .

وفي [ ص: 234 ] السنن بسند رجاله ثقات ، عن أبي بن كعب قال : إنما كان الماء من الماء ، رخصة في أول الإسلام . لكن وقع عند أبي داود ما يقتضي انقطاعه ، فقال : عن عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب ، حدثني بعض من أرضى ، أن سهل بن سعد أخبره ، أن أبي بن كعب أخبره ، وفي رواية ابن ماجه من طريق يونس ، عن الزهري ، قال : قال سهل . . . وجزم موسى بن هارون والدارقطني ، بأن الزهري لم يسمعه من سهل ، وقال ابن خزيمة : هذا الرجل الذي لم يسمه الزهري ، هو أبو حازم ، ثم ساقه من طريق أبي حازم ، عن سهل ، عن أبي : أن الفتيا التي كانوا يفتون : أن الماء من الماء ، كانت رخصة ، رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ، ثم أمر بالاغتسال بعد ، وقد وقع في رواية لابن خزيمة ، من طريق معمر ، عن الزهري ، أخبرني سهل . فهذا يدفع قول ابن حزم بأنه لم يسمعه منه ، لكن قال ابن خزيمة : أهاب أن تكون هذه اللفظة غلطا من محمد بن جعفر الراوي له ، عن معمر ، قلت : أحاديث أهل البصرة ، عن معمر يقع فيها الوهم ، لكن في كتاب ابن شاهين من طريق معلى بن منصور ، عن ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، حدثني سهل ، وكذا أخرجه بقي بن مخلد في مسنده ، عن أبي كريب ، عن ابن المبارك .

وقال ابن حبان : يحتمل أن يكون الزهري سمعه من رجل ، عن سهل ، ثم لقي سهلا فحدثه ، أو سمعه من سهل ، ثم ثبته فيه أبو حازم ، ورواه ابن أبي شيبة ، من طريق شعبة ، عن سيف بن وهب ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن عميرة بن يثربي ، [ ص: 235 ] عن أبي بن كعب نحوه ، وروى مالك في الموطأ ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : أن عمر ، وعثمان ، وعائشة كانوا يقولون : إذا مس الختان الختان ، فقد وجب الغسل " .

وفي الباب عدة أحاديث في عدم الإيجاب ، لكن انعقد الإجماع أخيرا على إيجاب الغسل ، قاله القاضي ابن العربي .

التالي السابق


الخدمات العلمية