الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها إذا أمن عليه بنفسه حال قدرته على الأداء بنفسه ، فلا يجوز استنابة غيره مع .

                                                                                                                                قدرته على الحج بنفسه ، وجملة الكلام فيه أن العبادات في الشرع أنواع ثلاثة : .

                                                                                                                                مالية محضة : كالزكاة والصدقات والكفارات والعشور .

                                                                                                                                وبدنية محضة : كالصلاة والصوم والجهاد .

                                                                                                                                ومشتملة على البدن والمال : كالحج ، فالمالية المحضة تجوز فيها النيابة على الإطلاق وسواء كان من عليه قادرا على الأداء بنفسه أو لا ; لأن الواجب فيها إخراج المال وأنه يحصل بفعل النائب ، والبدنية المحضة لا تجوز فيها النيابة على الإطلاق لقوله عز وجل { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } إلا ما خص بدليل وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد } أي : في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب ، فإن من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات أو الأحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه ضحى بكبشين أملحين : أحدهما : عن نفسه ، والآخر : عن أمته ممن آمن بوحدانية الله تعالى وبرسالته } صلى الله عليه وسلم وروي { أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : إن أمي كانت تحب الصدقة أفأتصدق عنها ؟ فقال النبي : صلى الله عليه وسلم تصدق } وعليه عمل المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من زيارة القبور وقراءة القرآن عليها والتكفين والصدقات والصوم والصلاة وجعل ثوابها للأموات ، ولا امتناع في العقل أيضا لأن إعطاء الثواب من الله تعالى إفضال منه لا استحقاق عليه ، فله أن يتفضل على من عمل لأجله بجعل الثواب له كما له أن يتفضل بإعطاء الثواب من غير عمل رأسا .

                                                                                                                                وأما المشتملة على البدن والمال - وهي الحج - فلا يجوز فيها النيابة عند القدرة ، ويجوز عند العجز ، والكلام فيه يقع في مواضع في جواز .

                                                                                                                                النيابة في الحج في الجملة ، وفي بيان كيفية النيابة فيه ، وفي بيان شرائط جواز النيابة ، وفي بيان ما يصير النائب به مخالفا وبيان حكمه إذا خالف ، أما الأول : فالدليل على الجواز حديث الخثعمية ، وهو ما روي { أن امرأة جاءت من بني خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إن فريضة الحج أدركت أبي ، وإنه شيخ كبير لا يثبت على الراحلة ، وفي رواية لا يستمسك على الراحلة أفيجزيني أن أحج عنه ؟ فقال : صلى الله عليه وسلم حجي عن أبيك واعتمري ، وفي رواية قال لها : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أما كان يقبل منك ؟ قالت : نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فدين الله تعالى أحق } ، ولأنه عبادة تؤدى بالبدن والمال فيجب اعتبارهما ولا يمكن اعتبارهما في حالة واحدة ; لتناف بين أحكامهما فنعتبرهما في حالين ، فنقول لا تجوز النيابة فيه عند القدرة اعتبارا للبدن ، وتجوز عند العجز اعتبارا للمال عملا بالمعنيين في الحالين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية