الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما فرغ من الطهارة الصغرى وما يتعلق بها شرع في الكبرى فقال درس ( فصل ) يذكر فيه موجبات الطهارة الكبرى وواجباتها وسننها ومندوباتها وما يتعلق بها وما يتعلق بذلك ، أما موجباتها أي أسبابها التي توجبها فأربعة على ما ذكره المصنف الأول خروج المني بلذة معتادة في يقظة معتادة أو مطلقا في نوم وإليه أشار بقوله ( يجب غسل ) جميع ( ظاهر الجسد ) وليس منه الفم والأنف وصماخ الأذنين والعينين بل التكاميش بدبر أو غيره فيسترخي قليلا والسرة وكل ما غار من جسده ( بمني ) أي بسبب خروجه من رجل أو امرأة أي بروزه عن الفرج في حق المرأة لا مجرد إحساسها بانفصاله خلافا لسند [ ص: 127 ] وانفصاله عن مقره بأن وصل إلى قصبة الذكر في حق الرجل ولو لم ينفصل عن الذكر بلذة معتادة قارنها الخروج أو لا كما سيأتي ( وإن ) خرج ( بنوم ) أي فيه بلذة معتادة أو لا بل ولو بلا لذة أصلا على المعتمد ( أو ) وإن خرج ( بعد ذهاب لذة ) معتادة ( بلا جماع ) بأن نظر أو تفكر أو باشر فالتذ فخرج المني مقارنا لها أو بعد ذهابها وسكون إنعاظه سواء اغتسل قبل خروج المني لظنه أنه يجب عليه الغسل بمجرد اللذة جهلا منه أو لم يغتسل لأن غسله إن وقع لم يصادف محلا إذ وجوبه بخروج المني لا باللذة فقوله ( ولم يغتسل ) لا مفهوم له ( لا ) إن خرج يقظة ( بلا لذة ) بل سلسا أو بضربة أو طربة أو لدغة عقرب فلا غسل [ ص: 128 ] ( أو ) خرج بلذة ( غير معتادة ) كنزوله بماء حار ولو استدام فيما يظهر وكحكه لجرب بذكره أو هز دابة له فلا غسل ما لم يحس بمبادئ اللذة فيستديم فيهما حتى يمني فيجب كذا يظهر وأما جرب وحكة بغير ذكره فالظاهر أنه كالماء الحار ( و ) لكن ( يتوضأ ) وجوبا في المسألتين لنقض وضوئه بخروج المني فيهما لكن في السلس إن فارق أكثر أو قدر على رفعه

التالي السابق


( قوله : من الطهارة الصغرى ) أراد بالطهارة التطهير الذي هو رفع مانع الصلاة لأن الطهارة كما تطلق على الصفة الحكمية تطلق على التطهير وكذا يقال في الطهارة الكبرى فالتطهير إن تعلق ببعض الأعضاء كالوضوء قيل له طهارة صغرى وإن تعلق بكلها كالغسل قيل له طهارة كبرى ( قوله : وما يتعلق بها ) أي من سنن ومندوبات ومبطلات لاستمرار حكمها ( فصل يجب غسل ظاهر الجسد إلخ ) ( قوله : وما يتعلق بذلك ) أي كمسألة ندب غسل فرج الجنب لعوده لجماع ووضوئه لنوم ومسألة إجزاء غسل الوضوء عن غسل محله وكالأمور التي تمنعها الجنابة ( قوله : أو مطلقا ) أي أو خروجه مطلقا في نوم سواء خرج بغير لذة أو بلذة معتادة أو غير معتادة ( قوله : غسل جميع إلخ ) استغنى المصنف عن هذا المضاف بإضافة ظاهر إلى الاسم المحلى بالألف واللام لأن المضاف إلى الاسم المحلى بالألف واللام يفيد العموم ( قوله : وليس منه ) أي من ظاهر الجسد الواجب غسله الفم إلخ ولذا كانت المضمضة والاستنشاق ومسح الصماخين من سنن الغسل لا من واجباته ( قوله : بل التكاميش إلخ ) أي بل منه التكاميش بدبر أو غيره فيجب عليه أن يسترخي قليلا لأجل أن يصل الماء لداخلها ويدلكها ومنه أيضا أصابع الرجلين على الراجح كأصابع اليدين فيجب عليه تخليل ذلك كله ( قوله : أي بروزه إلخ ) تفسير لخروج المني إشارة إلى أن خروجه من الرجل الموجب لغسله مغاير لخروجه من المرأة ، والمراد ببروزه عن فرجها وصوله لمحل ما يغسل عند الاستنجاء وهو ما يبدو منها عند الجلوس لقضاء الحاجة ، كما قاله ح ( قوله : لا مجرد إحساسها بانفصاله ) أي عن مقره ( قوله : خلافا لسند ) أي حيث قال خروج ماء المرأة ليس بشرط في جنابتها لأن عادة منيها ينعكس إلى الرحم ليتخلق منه الولد فإذا أحست بانفصاله من مقره وجب عليها الغسل وإن لم يبرز ، ومحل الخلاف [ ص: 127 ] في اليقظة وأما في النوم فلا بد من بروزه منها قطعا ( قوله : وانفصاله عن مقره في حق الرجل ) هذا غير صحيح بل المنصوص عليه في الرجل أنه لا يجب عليه الغسل حتى يبرز المني عن الذكر كما صرح به الأبي في شرح مسلم ونقله عنه ح ومثله في العارضة لابن العربي فالرجل والمرأة لا يجب الغسل عليهما إلا بالبروز خارجا فإذا وصل مني الرجل لأصل الذكر أو لوسطه ولم يخرج بلا مانع له من الخروج بأن انقطع بنفسه فلا يجب عليه الغسل وما ذكره الشارح من وجوب الغسل على الرجل بانفصاله عن مقره لأن الشهوة قد حصلت بانتقاله فهو قول ضعيف لأنه حدث لا تلزم الطهارة منه إلا بظهوره كسائر الأحداث وخلاف سند إنما هو في المرأة لا فيها وفي الرجل كما في بن ( قوله : ولو لم ينفصل عن الذكر ) أي بأن استمر باقيا في القصبة ولم يخرج بلا مانع له من الخروج بأن انقطع بنفسه ( قوله : بلذة ) متعلق بخروج أي بسبب خروج مني متلبس بلذة ( قوله : أو لا ) أي بأن خرج المني بعدها أي بعد اللذة ( قوله : وإن بنوم ) أي هذا إذا كان خروج المني في يقظة بل وإن كان خروجه في نوم ( قوله : بلذة معتادة أو لا ) تبع في هذا الإطلاق عج معترضا به على ح وتت القائلين إذا رأى في منامه أن عقربا لدغته فأمنى أو حك لجرب فالتذ فأمنى ثم انتبه فوجد المني لم يجب الغسل وقبل طفى ما لعج من أن الأحوط وجوب الغسل وكان وجه التفرقة على هذا بين النوم واليقظة عدم ضبط النائم لحاله ولا يقال إن وجوب الغسل في الصورة المذكورة يؤخذ من وجوبه في صورة ما إذا لم يعقل سببا أصلا أي بأن رأى الأثر ولم يعقل السبب لأنا نقول إنما وجب في صورة جهل السبب حملا على الغالب وهو الخروج بلذة معتادة بخلاف ما إذا عقل السبب وأنه غير معتاد وبالجملة فلا نص في المسألة وما تمسك به عج في رده على ح وتت واه جدا انظر بن ( قوله : أو بعد ذهاب لذة ) أي هذا إذا كان خروج المني مقارنا للذة بل وإن خرج بعد ذهاب اللذة وسكون إنعاظه حالة كون ذلك الخروج بلا جماع والظاهر تلفيق حالة النوم لحالة اليقظة فإذا التذ في نومه ثم خرج منه المني في اليقظة بعد انتباهه من غير لذة اغتسل ( قوله : سواء اغتسل قبل خروج المني لظنه أنه يجب عليه الغسل بمجرد اللذة جهلا منه أو لم يغتسل ) أي بخلاف ما إذا كانت اللذة ناشئة عن جماع بأن أغاب الحشفة ولم ينزل ثم أنزل بعد ذهاب لذته وسكون إنعاظه فإنه يجب عليه الغسل ما لم يكن اغتسل قبل الإنزال وإلا فلا لوجود موجب الغسل هو مغيب الحشفة ( قوله : لا مفهوم له ) قال ابن غازي قد يعتذر عن المصنف بأن قوله أو بعد ذهاب لذة يصدق أيضا بما إذا خرج بعض المني ثم خرج أيضا البعض الباقي فيكون هذا القيد وهو قوله ولو يغتسل راجعا لهذه الصورة وأما إذا اغتسل لخروج بعضه فلا غسل عليه لخروج باقيه . ا هـ بن ( قوله : بل سلسا ) أي فلا يجب منه الغسل وظاهره ولو قدر على رفعه بتزوج أو تسر أو صوم لا يشق وهو كذلك كما هو ظاهر ابن عرفة وغيره [ ص: 128 ] قوله : أو غير معتادة ) قال بن اعترض ابن مرزوق على المصنف بأن الراجح وجوب الغسل بخروجه بلذة غير معتادة كما اختاره اللخمي وظاهر ابن بشير قال شيخنا عدم تعرض الشراح لنقل كلام ابن مرزوق وإعراضهم يقتضي عدم تسليمه وحينئذ فيكون الراجح كلام المصنف وبالجملة فليس كل ما قيل مسلما ( قوله : ولو استدام ) أي ولو حس بمبادئ اللذة واستدام حتى أمنى وقوله فيما يظهر المستظهر لعدم وجوب الغسل في مسألة الماء الحار ولو حس بمبادئ اللذة عج لبعد الماء الحار عن شهوة الجماع بخلاف هز الدابة فإنه أقرب لشهوة الجماع ( قوله : فالظاهر أنه كالماء الحار ) أي فلا يجب الغسل ولو أحس بمبادئ اللذة واستدام حتى أنزل ، والحاصل أنه لا يجب الغسل مطلقا في مسألة الماء الحار والجرب إذا كان بغير الذكر وأما إذا كان فيه فهو كهز الدابة إن أحس بمبادئ اللذة واستدام حتى أنزل وجب الغسل وإلا فلا وما قاله شارحنا هو ما استظهره شيخنا وقال الشيخ سالم لا يجب الغسل في مسألة الماء الحار والحك للجرب وهز الدابة ما لم يحس بمبادئ اللذة ويستديم وإلا وجب الغسل في الثلاثة وقال عج لا يجب الغسل في الماء الحار مطلقا ولو استدام وأما في مسألة الجرب وهز الدابة إن استدام وجب الغسل وإلا فلا وقد أجمل في الجرب فظاهره كان بذكره أم لا وفصل فيه شارحنا فجعل الذي في الذكر كهز الدابة والذي في غيره كالماء الحار . بقي شيء آخر وهو أنه في هز الدابة إذا حس بمبادئ اللذة واستدام حتى أنزل فهل يجب الغسل ولو كانت الاستدامة لعدم القدرة على النزول من عليها كمن أكره على الجماع أو لا غسل حينئذ تردد في ذلك عج ( قوله : وجوبا في المسألتين ) أي وقيل بندبه فيهما والمراد بالمسألتين مسألة خروج المني بلا لذة أصلا أو بلذة غير معتادة ( قوله : لكن في السلس إلخ ) أي لكن نقض الوضوء في السلس إن فارق أكثر أي والحال أنه لم يقدر على رفعه أو قدر على رفعه مطلقا سواء لازمه كل الزمان أو نصفه أو جله أو أقله وأما إن لم يقدر على رفعه وفارقه أقل الزمان أو نصفه أو لم يفارق فلا يكون ناقضا




الخدمات العلمية