الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن قوله : ( قل لعبادي ) فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : أن المراد به المؤمنون ، وذلك لأن لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختص بالمؤمنين قال تعالى : ( فبشر عبادي الذين يستمعون القول ) [ الزمر : 17 - 18 ] وقال : ( فادخلي في عبادي ) [ الفجر : 29 ] وقال : ( عينا يشرب بها عباد الله ) [ الإنسان : 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى لما ذكر الحجة اليقينية في إبطال الشرك وهو قوله : ( لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) [ الإسراء : 42 ] وذكر الحجة اليقينية في صحة المعاد وهو قوله : ( قل الذي فطركم أول مرة ) [ الإسراء : 51 ] قال في هذه الآية وقل يا محمد لعبادي إذا أردتم إيراد الحجة على المخالفين فاذكروا تلك الدلائل بالطريق الأحسن . وهو أن لا يكون ذكر الحجة مخلوطا بالشتم والسب ، ونظير هذه الآية قوله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) [ النحل : 125 ] وقوله : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) [ العنكبوت : 46 ] وذلك لأن ذكر الحجة لو اختلط به شيء من السب والشتم لقابلوكم بمثله كما قال : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) [ الأنعام : 108 ] ويزداد الغضب وتتكامل النفرة ويمتنع حصول المقصود ، أما إذا وقع الاقتصار على ذكر الحجة بالطريق [ ص: 183 ] الأحسن الخالي عن الشتم والإيذاء أثر في القلب تأثيرا شديدا فهذا هو المراد من قوله : ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) ثم إنه تعالى نبه على وجه المنفعة في هذا الطريق فقال : ( إن الشيطان ينزغ بينهم ) جامعا للفريقين أي : متى صارت الحجة مرة ممزوجة بالبذاءة صارت سببا لثوران الفتنة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) والمعنى : أن العداوة الحاصلة بين الشيطان وبين الإنسان عداوة قديمة قال تعالى حكاية عنه : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) [ الأعراف : 17 ] وقال : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ) [ الحشر : 16 ] وقال : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ) [ الأنفال : 48 ] وقال : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) إلى قوله : ( إني بريء منكم ) [ الأنفال : 48 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية