الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ) واعلم أنا إنما نتكلم الآن على تقدير أن قوله تعالى : ( قل لعبادي ) المراد به المؤمنون ، وعلى هذا التقدير فقوله : ( ربكم أعلم بكم ) خطاب مع المؤمنين ، والمعنى : إن يشأ يرحمكم ، والمراد بتلك الرحمة الإنجاء من كفار مكة وأذاهم أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم . ثم قال : ( وما أرسلناك ) يا محمد ( عليهم وكيلا ) أي : حافظا وكفيلا فاشتغل أنت بالدعوة ولا شيء عليك من كفرهم فإن شاء الله هدايتهم هداهم ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : أن المراد من قوله : ( وقل لعبادي ) الكفار ، وذلك لأن المقصود من هذه الآيات الدعوة ، فلا يبعد في مثل هذا الموضع أن يخاطبوا بالخطاب الحسن ليصير ذلك سببا لجذب قلوبهم وميل طباعهم إلى قبول الدين الحق ، فكأنه تعالى قال : يا محمد قل لعبادي الذين أقروا بكونهم عبادا لي يقولوا التي هي أحسن . وذلك لأنا قبل النظر في الدلائل والبينات نعلم بالضرورة أن وصف الله تعالى بالتوحيد والبراءة عن الشركاء والأضداد أحسن من إثبات الشركاء والأضداد ، ووصفه بالقدرة على الحشر والنشر بعد الموت أحسن من وصفه بالعجز عن ذلك ، وعرفهم أنه لا ينبغي لهم أن يصروا على تلك المذاهب الباطلة تعصبا للأسلاف ، لأن الحامل على مثل هذا التعصب هو الشيطان ، والشيطان عدو ، فلا ينبغي أن يلتفت إلى قوله ثم قال لهم : ( ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم ) بأن يوفقكم للإيمان والهداية والمعرفة . وإن يشأ يمتكم ، على الكفر فيعذبكم ، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق ، ولا تصروا على الباطل والجهل لئلا تصيروا محرومين عن السعادات الأبدية والخيرات السرمدية ، ثم قال لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : ( وما أرسلناك عليهم وكيلا ) أي : لا تشدد الأمر عليهم ولا تغلظ لهم في القول ، والمقصود من كل هذه الكلمات : إظهار اللين والرفق لهم عند الدعوة فإن ذلك هو الذي يؤثر في القلب ويفيد حصول المقصود .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية