الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 177 ] قال المصنف : رحمه الله تعالى ( وإن كانت النجاسة مما لا يدركها الطرف ففيه ثلاثة طرق : من أصحابنا من قال : لا حكم لها ; لأنها لا يمكن الاحتراز منها ، فهي كغبار السرجين ، ومنهم من قال : حكمها حكم سائر النجاسات ; لأنها نجاسة متيقنة ، فهي كالنجاسة التي يدركها الطرف ، ومنهم من قال : فيه قولان ( أحدهما ) : لا حكم لها ( والثاني ) : لها حكم ووجههما ما ذكرناه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله : لا يدركها الطرف معناه لا تشاهد بالعين لقلتها بحيث لو كانت مخالفة للون ثوب ونحوه ووقعت عليه لم تر لقلتها ، وذلك كذبابة تقع على نجاسة ثم تقع في الماء ، قال المتولي وغيره : وكالبول يترشش إليه ونحو ذلك ، وقوله : " السرجين " هي لفظة عجمية ، ويقال سرقين أيضا بالقاف وتكسر السين فيهما وتفتح فهي أربع لغات موضحات في تهذيب الأسماء .

                                      ( أما حكم المسألة ) فعادة أصحابنا يضمون إلى هذه المسألة مسألة الثوب إذا أصابه نجاسة لا يدركها الطرف ، والمصنف ذكر هذه الثانية في باب طهارة البدن ، وأنا أذكرهما جميعا هنا على عادة الأصحاب ووفاء بشرط هذا الكتاب في تقديم المسائل في أول مواطنها .

                                      قال أصحابنا : في الماء والثوب سبع طرق .

                                      ( أحدها ) : يعفى فيهما .

                                      ( والثاني ) ينجسان قال الماوردي : هذه طريقة ابن سريج ( والثالث ) : فيهما قولان ، قال الماوردي : وهذه طريقة أبي إسحاق المروزي ، ( والرابع ) : ينجس الماء لا الثوب ; لأن الثوب أخف حكما في النجاسة ، ولهذا يعفى عن دم البراغيث وقليل سائر الدماء والقيح في الثوب دون الماء ، ( والخامس ) : عكسه ; لأن للماء قوة دفع النجاسة عن غيره ، فعن نفسه أولى بخلاف الثوب ( والسادس ) : ينجس الثوب وفي الماء قولان ، ( والسابع ) : ينجس الماء وفي الثوب قولان قال الماوردي : وهذه طريقة ابن أبي هريرة .

                                      واختلف المصنفون في الأصح من هذه الطرق ، فقال الماوردي : الأصح وهو طريقة المتقدمين لا ينجس الماء وينجس الثوب كما هو ظاهر نص [ ص: 178 ] الشافعي ، ووافقه على تصحيحه البندنيجي ، وعكسه القاضي أبو الطيب فقال : الصحيح ينجس الماء لا الثوب إلا أن يكون رطبا ، وكذا قال الإمام : الصحيح ينجس الماء ، وفي الثوب وجهان ، وهي طريقة الصيدلاني ، وقطع البغوي بنجاسة الماء ، وهي طريقة القفال وأصحابه ، والصحيح المختار من هذا كله : لا ينجس الماء ولا الثوب ، وبهذا قطع المحاملي في المقنع ، ونقله في كتابيه عن أبي الطيب بن سلمة ، وصححه الغزالي وصاحب العدة وغيرهما ; لتعذر الاحتراز وحصول الحرج ، وقد قال الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } والله أعلم ، وأما بيان الطرق والأقوال والأوجه ، فقد سبق في أواخر مقدمة الكتاب وبالله التوفيق .




                                      الخدمات العلمية