الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما المستعمل في النجس فينظر فيه ، فإن انفصل عن المحل متغيرا فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم : { الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه } وإن كان غير متغير ففيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) : أنه طاهر وهو قول أبي العباس وأبي إسحاق لأنه ماء لا يمكن حفظه من النجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء الكثير إذا وقع فيه نجاسة ( والثاني ) أنه ينجس وهو قول أبي القاسم الأنماطي لأنه ماء قليل لاقى نجاسة فأشبه إذا وقعت فيه نجاسة ( والثالث ) أنه إن انفصل . والمحل طاهر . فهو طاهر ، وإن انفصل . والمحل نجس . فهو نجس وهو قول أبي العباس بن القاص لأن المنفصل من جملة الباقي في المحل ، فكان حكمه في النجاسة والطهارة حكمه . فإن قلنا : [ ص: 212 ] إنه طاهر فهل يجوز الوضوء به ؟ فيه وجهان ، قال ابن خيران : يجوز وقال سائر أصحابنا : لا يجوز وقد مضى توجيههما ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) أما الحديث المذكور فسبق في أول باب ما يفسد الماء من النجاسات أنه ضعيف ولكن يحتج على نجاسة الماء المتغير بنجاسة بالإجماع كما سبق هناك ، وأما أبو العباس فهو ابن سريج الإمام المشهور ، وهذا أول موضع جاء ذكره فيه في المهذب وقد ذكرت في فصول مقدمة الكتاب أنه متى أطلق في المهذب أبا العباس فهو ابن سريج وهو أحمد بن عمر بن سريج الإمام البارع ، قال المصنف في الطبقات : كان القاضي أبو العباس بن سريج من عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين ، وكان يقال له الباز الأشهب ، وولي القضاء بشيراز وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي قال وفهرست كتبه يعني مصنفاته تشتمل على أربعمائة مصنف ، وقام بنصرة مذهب الشافعي . تفقه على أبي القاسم الأنماطي وأخذ عنه فقهاء الإسلام وعنه انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق ، توفي ببغداد سنة ست وثلثمائة رحمه الله . ( قلت ) وهو أحد أجدادنا في سلسلة التفقه .

                                      ( أما حكم الفصل ) فغسالة النجاسة إن انفصلت متغيرة الطعم أو اللون أو الريح بالنجاسة فهي نجسة بالإجماع والمحل المغسول باق على نجاسته . وإن لم يتغير فإن كانت قلتين . فطاهرة بلا خلاف ومطهرة على المذهب . وقيل : في كونها مطهرة وجهان ، وسنذكرهما إن شاء الله تعالى . وإن كانت دون القلتين فثلاثة أوجه ، وحكاها الخراسانيون أقوالا أصحها الثالث وهو أنه إن انفصل وقد طهر المحل فطاهرة وإلا فنجسة . قال الخراسانيون : وهذا هو الجديد وصححه الجمهور في الطريقتين وقطع به المحاملي في المقنع والجرجاني في البلغة وشذ الشاشي فصحح في كتابيه المعتمد والمستظهري أنها ظاهرة مطلقا ، وهو ظاهر كلام المصنف في التنبيه ، والمختار ما صححه الجمهور ، قالوا : والقول بالطهارة مطلقا هو القديم وبالنجاسة مطلقا خرجه الأنماطي من رفع الحدث .

                                      ووجه التخريج أنه انتقل إليه المنع كما في المستعمل في رفع الحدث قالوا : فالجديد يقول حكم الغسالة حكم المحل بعد الغسل ، والقديم حكمها قبل [ ص: 213 ] الغسل والمخرج لها حكم المحل قبل الغسل ويتخرج على هذا الخلاف غسالة ولوغ الكلب . فإذا وقع من الأولى شيء على ثوب وغيره فعلى القديم لا يجب غسله . وعلى الجديد غسل ستا وعلى المخرج سبعا ، ولو وقع من السابعة لم يغسل على الجديد والقديم . ويغسل على المخرج مرة ، ومتى وجب الغسل عنها فإن سبق التعفير بالتراب لم يجب وإلا وجب ، وفي وجه ضعيف لكل غسلة سبع حكم المحل فيغسل منها مرة .

                                      هذا كله إذا لم يزد وزن الغسالة فإن كانت النجاسة ببول مثلا فغسل فزاد وزن الغسالة ولم يتغير فطريقان المذهب القطع بأنها نجسة ، والثاني فيها الأقوال أو الأوجه . هذا كله في الغسل الواجب فإذا غسل المحل النجس غسلة واحدة فزالت النجاسة وحكمنا بطهارة المحل فهذه الغسالة طاهرة على الأصح كما ذكرنا وهل هي مطهرة في إزالة النجاسة مرة أخرى ؟ فيه الطريقان السابقان في أن المستعمل في الحدث هل يستعمل مرة أخرى في الحدث ؟ أصحهما : لا والثاني على قولين . فإذا قلنا : هي مطهرة في إزالة النجس ففي الحدث أولى ، وإن قلنا : ليست مطهرة في النجس وهو المذهب فهل هي مطهرة في الحدث ؟ فيه الوجهان المذكوران في الكتاب والصحيح ليست مطهرة وأما الغسلة الثانية والثالثة في إزالة النجاسة فطاهرتان بلا خلاف ، وهل هما مطهرتان في إزالة النجاسة ؟ فيه الوجهان المذكوران في المستعمل في نفل الطهارة أصحهما : مطهرتان ، فإن قلنا مطهرتان في النجاسة ففي الحدث أولى وإلا فالوجهان . وأما الغسلة الرابعة فمطهرة بلا خلاف لأنها ليست مشروعة ، وإذا بلغ المستعمل في النجاسة الطاهر قلتين فالمذهب أنه مطهر قولا واحدا لحديث القلتين ، وبهذا قطع الجرجاني في التحرير والبلغة وغيره ، وحكى البغوي فيه الوجهين في المستعمل في الحدث والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) قد تقرر أن المستعمل في طهارة الحدث في المرة الأولى يحكم بأنه مستعمل بلا خلاف ، واختلف الأصحاب في علة كونها مستعملة على وجهين أحدهما : كونها أدى بها عبادة فعلى هذا المستعمل في نفل الطهارة ليس بطهور ، وأصحهما أن العلة كونها [ ص: 214 ] أدى بها فرض الطهارة والمراد بفرض الطهارة ما لا تجوز الصلاة ونحوها ووطء المغتسلة عن حيض إلا به لا ما يأثم بتركه فيدخل فيه غسل الكتابية عن الحيض ، ووضوء الصبي والوضوء للنافلة ، ولا تدخل الغسلة الرابعة على الوجهين فليست عبادة . وقولنا : أدى بها فرض الطهارة ، هذه هي العبارة الصحيحة المشهورة التي قالها الأكثرون منهم إمام الحرمين والغزالي في البسيط ، وخالفهم الغزالي في الوسيط فقال : العلة انتقال المنع ، وهذه العبارة غريبة قل أن توجد لغيره وفيها تجوز إذ ليس هنا انتقال محقق ، ولكنها صحيحة في الجملة والله أعلم



                                      ( الثانية ) الحنفي إذا توضأ بماء هل يصير مستعملا ؟ حكى صاحب البيان فيه ثلاثة أوجه بناء على جواز اقتداء الشافعي به ( أحدها ) أنه كالشافعي إن نوى صار مستعملا وإلا فلا ، فإنه لا يصح وضوءه حينئذ ( والثاني ) لا يصير وإن نوى ، لأنه لا يعتقد وجوب النية ( والثالث ) يصير وإن لم ينو لأنه محكوم بصحة صلاته ولهذا لا يقتل بالاتفاق ، وهذا الثالث أصح



                                      ( الثالثة ) لو غسل المتوضئ رأسه بدل مسحه فوجهان مشهوران حكاهما أبو علي الطبري في الإفصاح والماوردي في الحاوي ، والدارمي في الاستذكار وآخرون قالوا حكاهما أبو علي بن أبي هريرة أحدهما : لا يصير مستعملا لأن المستحق في الرأس المسح ( والثاني ) يصير لأن الزيادة في الاستعمال على قدر الحاجة لا يمنع مصيره مستعملا كما لو توضأ بصاع من يكفيه نصف صاع ، فإن الكل مستعمل ، وهذا الثاني هو الأصح ، وممن صححه الشاشي في كتابيه المعتمد والمستظهري .



                                      ( الرابعة ) : لو غمس المستيقظ من النوم يده في الإناء قبل غسلها فقط ارتكب مكروها ولا يصير الماء مستعملا ، هذا هو المذهب وهو المشهور ، وبه قطع القاضي حسين وغيره ، وحكى صاحب البيان فيه طريقين أحدهما هذا ( والثاني ) في مصيره مستعملا وجهان كالمستعمل في نفل الطهارة ، وهذا قول أبي علي الطبري



                                      ( الخامسة ) : قال القاضي حسين وإمام الحرمين لو تقاطر من أعضاء [ ص: 215 ] المتطهر قطرات في الإناء فإن كان قدرا لو كان مخالفا للماء لغيره لم تجز الطهارة به وهذه المسألة تقدمت في آخر الباب الأول مبسوطة .



                                      ( السادسة ) : إذا جرى الماء من عضو المتطهر إلى عضوه الآخر . فإن كان محدثا . صار انفصاله عن الأول مستعملا فلا يرفع الحدث عن الثاني ، وسواء في ذلك اليدان وغيرهما ، هذا هو الصحيح الذي قطع به صاحب الحاوي وغيره ، وحكى صاحب البيان في باب التيمم وجها أنه إذا انتقل من يد إلى يد لا يصير مستعملا لأن اليدين كعضو واحد ، ولهذا لا ترتيب فيهما والصواب الأول لأنهما عضوان متميزان ، وإنما عفونا عن ذلك في العضو الواحد للضرورة ، وإن كان المتطهر جنبا فقال صاحب الحاوي والبحر : فيه وجهان ( أحدهما ) يصير مستعملا فلا يرفع الجنابة عن العضو والذي انتقل إليه كالمحدث ، قالا : وأصحهما لا يصير مستعملا حتى ينفصل عن كل البدن لأنه كله كعضو . وقال الفوراني والمتولي وصاحب العدة : إذا صب الجنب على رأسه الماء فسقط من الرأس إلى البطن وخرق الهواء صار مستعملا لانفصاله ، وحكى إمام الحرمين هذا الكلام عن بعض المصنفين ويعني به صاحب الإبانة الفوراني قال الإمام : وفي هذا فضل نظر فإن الماء إذا كان يتردد على الأعضاء وهي متفاوتة الخلقة وقع في جريانه بعض التقاذف من عضو إلى عضو لا محالة ، ولا يمكن الاحتراز من هذا ، كيف ؟ ولم يرد الشرع بالاعتناء بهذا أصلا فما كان من هذا الجنس فهو عفو قطعا . وأما التقاذف الذي لا يقع إلا نادرا فإن كان عن قصد فهو مستعمل ، وإن اتفق ذلك بلا قصد لم يمتنع أن يعفى عنه فإن الغالب على الظن أنه كان يقع أمثال هذا من الأولين ، وما وقع عنه بحث من سائل ولا تنبيه من مرشد .



                                      ( السابعة ) : إذا غمس المتوضئ يده في إناء فيه دون القلتين . فإن كان قبل غسل الوجه . لم يصر الماء مستعملا ، سواء نوى رفع الحدث أم لا ، وإن كان بعد غسل الوجه فهذا وقت غسل اليد ففيه تفصيل ذكره إمام الحرمين وجماعات من الخراسانيين ، قالوا : إن قصد غسل اليد صار مستعملا وارتفع الحدث عن الجزء الأول من اليد وهو الذي قارنته النية ، وهل يرتفع [ ص: 216 ] عن باقي اليد ؟ فيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى بين الخضري والجماعة ، المذهب أنه يرتفع . وإن قصد بوضع يده في الإناء أخذ الماء لم يصر مستعملا وإن وضع اليد ولم يخطر له واحدة من الثنتين فالمشهور الذي قطع به الإمام والجمهور أنه يصير مستعملا لأن من نوى وعزبت نيته ثم غسل بقية الأعضاء بلا قصد ارتفع حدثه ، وقال الغزالي : المشهور أنه مستعمل ويتجه أن يقال هيئة الاغتراف صارفة للملاقاة إلى هذه الجهة بحكم العادة فلا يصير مستعملا ، وهذا الاحتمال الذي ذكره الغزالي قطع به البغوي فجزم في آخر باب الغسل بأنه لا يصير مستعملا . والجنب بعد النية كالمحدث بعد غسل وجهه إذ لا ترتيب في حقه فهذا وقت غسل يده وقال صاحب التتمة : إذا أدخل الجنب يده ناويا غسل الجنابة ليقلب الماء على رأسه ولم يقصد أن يكون أخذه لرأسه دون يده قال المحققون : ترتفع الجنابة عن يده إذا أخرجها ويصير مستعملا ، فإن قلب الماء الذي في يده على رأسه لم يرتفع حدثه ، قال : ومن أصحابنا من قال : لا يصير مستعملا لأنه لا يقصد من حيث العادة غسل اليد وإنما يجعلها آلة فتصير كقصد الاغتراف ، فعلى هذا يجب غسل اليد بعد هذا قال : والمحدث بعد غسل الوجه كالجنب والله أعلم



                                      ( الثامنة ) : قد سبق أن الماء ما دام مترددا على العضو لا يصير مستعملا بالنسبة إلى ذلك العضو ، فإذا نزل جنب في ماء واغتسل فيه نظر . إن كان قلتين . ارتفعت جنابته ولا يصير مستعملا بلا خلاف ، صرح به أصحابنا في جميع الطرق ، وصرحوا بأنه لا خلاف فيه وقد ذكره المصنف في قوله : ولأنه لو توضأ فيه أو اغتسل وهو قلتان لم يثبت له حكم الاستعمال وكذا لو اغتسل في قلتين جماعات مجتمعين أو متفرقين ارتفعت جنابتهم ولم يصر مستعملا ، وقد نقل الشيخ أبو محمد الجويني في كتابه الفروق نص الشافعي رحمه الله على أن الجماعات إذا اغتسلوا في القلتين لا يصير مستعملا ، وكذا صرح به البغوي في باب الغسل وخلائق لا يحصون ولا نعلم فيه خلافا .

                                      وإنما نبهت على هذا لأن في كتاب الانتصار لأبي سعد بن أبي عصرون [ ص: 217 ] أنه لو اغتسل جماعة في ماء لو فرق على قدر كفايتهم استوعبوه أو ظهر تغيره لو خالفه صار مستعملا في أصح الوجهين وهذا الذي ذكرناه شاذ منكر مردود لا يعرف ولا يعرج عليه ، وإنما نبهت عليه لئلا يغتر به . ونحو هذا ما ذكره صاحب البيان قال : ذكر صاحب الشامل أنه لو انغمس في قلتين أو أدخل يده فيه بنية غسل الجنابة ففيه وجهان أصحهما ترتفع جنابته ولا يصير مستعملا . والثاني : ترتفع ويصير مستعملا . وهذا النقل غلط من صاحب البيان ، ولم يذكر صاحب الشامل هذا الذي زعمه ، بل ذكر مسألة المستعمل إذا جمع فبلغ قلتين هل يعود طهورا ؟ فيه الوجهان لكن في عبارته بعض الخفاء فأوقع صاحب البيان في ذلك الوهم الباطل وليس في عبارته لبس وإشكال كبير بحيث يلتبس هذا الالتباس . فحصل أنه ليس في المسألة خلاف ما دام الماء قلتين . أما إذا نزل في دون قلتين فينظر . إن نزل بلا نية فلما صار تحت الماء نوى الغسل . ارتفعت جنابته في الحال ولا يصير الماء مستعملا بالنسبة إليه حتى ينفصل منه ، هكذا قاله الأصحاب واتفقوا عليه وفيه نظر ; لأن الجنابة ارتفعت وإنما قالوا لا يصير الماء مستعملا ما دام الماء على العضو للحاجة إلى رفع الحدث عن باقيه ، ولا حاجة هنا فإن الجنابة ارتفعت بلا خلاف ، وهذا الإشكال ذكره الرافعي وغيره وهو ظاهر . وأما بالنسبة إلى غير هذا المغتسل فيصير في الحال مستعملا على الصحيح الذي قطع به الجمهور .

                                      وممن قطع به الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق والمتولي والروياني وغيرهم وفيه وجه أنه لا يصير حتى ينفصل كما في حق المغتسل ، ذكره البغوي وهو غريب ضعيف . قال إمام الحرمين : ولو كان المنغمس فيه متوضئا فهو كالجنب وأما إذا نزل الجنب ناويا فقد صار الماء بنفس الملاقاة مستعملا بالنسبة إلى غيره على الصحيح ، وفيه وجه البغوي وارتفعت الجنابة عن القدر الملاقي للماء من بدنه أول نزوله ، وكذا لو نزل إلى وسطه مثلا بلا نية ثم نوى ارتفعت جنابة ذلك القدر من بدنه بلا خلاف ، وهل ترتفع جنابة الباقي من بدنه في الصورتين إذا تمم الانغماس ؟ فيه وجهان أحدهما : لا ، وقد صار مستعملا قاله أبو عبد الله الخضري ( بكسر الخاء وإسكان الضاد المعجمتين ) من كبار أصحابنا [ ص: 218 ] الخراسانيين ومتقدميهم . والثاني : وهو المنصوص وهو الصحيح باتفاق الأصحاب يرتفع لأنه إنما يصير مستعملا إذا انفصل ولأنه لو ردد الماء عليه لم يصر مستعملا حتى ينفصل وهاتان القاعدتان وافق عليهماالخضري .

                                      قال إمام الحرمين : قول الخضري غلط ، وقد ذكر صاحب الإبانة والعدة أن الخضري رجع عنه ، وصورة المسألة إذا تمم غسل الباقي بالانغماس كما ذكرناه أولا ، أما لو اغترف الماء بإناء أو يده وصبه على رأسه أو غيره فلا ترتفع جنابة ذلك القدر الذي اغترف له بلا خلاف ، صرح به المتولي والروياني وغيرهما وهو واضح لأنه انفصل . ولو نزل جنبان في دون قلتين نظر . إن نزلا بلا نية ثم لما صارا تحت الماء نويا معا إن تصور ذلك . ارتفعت جنابتهما وصار مستعملا ، فإن نوى أحدهما قبل الآخر ارتفعت جنابة السابق بالنية ، وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى الآخر وغيره ، وفيه وجه البغوي وإن نزلا مع النية دفعة واحدة ارتفعت جنابة أول جزء من كل منهما وصار مستعملا في الحال فلا ترتفع عن باقيهما لأنه كالمنفصل عن بدن كل واحد منهما بالنسبة إلى غيره وفيه وجه البغوي .

                                      فإن قيل : كيف حكمتم في هذه الصورة بكونه مستعملا كله مع أن الذي لاقى البدن شيء يسير ، وقد يفرض في بعض الصور أنه لو قدر مخالفا لون باقي الماء لما غيره ؟ فالجواب ما أجاب به إمام الحرمين أنه إذا نزل فيه فقد اتصل به جميع الماء ولم يختص الاستعمال بملاقي البشرة لا اسما ولا إطلاقا والله أعلم .



                                      ( التاسعة ) : إذا كان تحت المسلم كتابية فانقطع حيضها لزمها الغسل وإذا اغتسلت بنية غسل الحيض صح غسلها وحل للزوج الوطء وهل يلزمها إعادة هذا الغسل إذا أسلمت ؟ وجهان سنوضحهما إن شاء الله تعالى في باب نية الوضوء أصحهما يجب ، فإن قلنا : لا يجب فقد أدت به عبادة وارتفع حدثها فيصير مستعملا ، وإن قلنا : يجب ، ففي صيرورته مستعملا وجهان أصحهما يصير ، وهما مبنيان على الوجهين السابقين في أن المقتضى لكون الماء مستعملا هل هو تأدي العبادة به أم أداء الفرض وانتقال المنع ؟ فمن قال بالأول لم يجعل هذا مستعملا ، ومن قال بالثاني جعله . هكذا ذكر المسألة إمام الحرمين [ ص: 219 ] وتابعه الغزالي ثم الرافعي وآخرون ، وأما الفوراني وتابعاه صاحبا التتمة والعدة فقالوا : هل يصير مستعملا ؟ وجهان إن قلنا لا تجب الإعادة صار وإلا فلا ، والمختار ما ذكره الإمام .

                                      ( العاشرة ) : إذا كان على بعض أعضاء المتوضئ أو المغتسل نجاسة حكمية فغسله مرة بنية رفع الحدث أو رفع الحدث والنجس ، معا طهر عن النجاسة بلا خلاف ، وهل يطهر عن الحدث ؟ وجهان الأصح يطهر وستأتي المسألة مبسوطة في آخر باب نية الوضوء إن شاء الله تعالى والله أعلم .

                                      ( الحادية عشرة ) : يجوز الوضوء في النهر والقناة الجارية ولا كراهة في ذلك عندنا وعند الجمهور . وحكى الخطابي عن بعض الناس أنه كره الوضوء في مشارع المياه الجارية وكان يستحب أن يؤخذ له الماء في ركوة ونحوها ، ويزعم أنه من السنة لأنه لم يبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ في نهر أو شرع في ماء جار ، ودليلنا أنه ماء طهور ولم يثبت فيه نهي فلم يكره . وأما قوله : " لم يتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم في نهر " فسببه أنه لم يكن بحضرته نهر ، ولو كان لم تثبت كراهته حتى يثبت النهي والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية