الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 309 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ولا يحمل في الصلاة سلاحا نجسا ، ولا ما يتأذى به الناس ، كالرمح في وسط الناس ، وهل يجب حمل ما سواه ؟ قال في الأم : يستحب ، وقال بعده : يجب ، قال أبو إسحاق المروزي : فيه قولان : ( أحدهما ) : يجب لقوله عز وجل { ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم } فدل على أن عليهم جناحا إذا وضعوا من غير أذى ولا مرض .

                                      ( والثاني ) : لا يجب ; لأن السلاح إنما يجب حمله للقتال ، وهو غير مقاتل في حال الصلاة ، فلم يجب حمله ، وعن أصحابنا من قال : إن كان السلاح يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين وجب حمله ، وإن كان يدفع به عن نفسه وعن غيره كالرمح والسنان لم يجب وحمل القولين على هذين الحالين ، والصحيح ما قال أبو إسحاق )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : حمل السلاح في صلاة بطن نخل وصلاة ذات الرقاع ، وصلاة عسفان مأمور به ، وهل هو مستحب أم واجب ؟ فيه أربعة طرق أصحها باتفاق الأصحاب : فيه قولان ، أصحهما عند الأصحاب : مستحب ، وهو نصه في المختصر ، وأحد الموضعين في الأم ، والثاني واجب .

                                      ( والطريق الثاني ) : إن كان يدفع عن نفسه فقط كالسيف والسكين وجب ، وإن كان يدفع عن نفسه وغيره كالنشاب والرمح استحب ، وهذان الطريقان في الكتاب ( والثالث ) حكاه الخراسانيون ، منهم القاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين والغزالي في البسيط والبغوي وغيرهم تجب قولا واحدا ( والرابع ) : لا يجب قولا واحدا حكاه هؤلاء ، فمن قال بالوجوب احتج بقوله تعالى - : { وليأخذوا أسلحتهم } والأمر للوجوب ، ومن قال بالندب حمل الأمر عليه ; لأن الغالب السلامة .

                                      ومن قال بالفرق قال : لأنه متحقق الحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه بخلاف غيره ، وعلله صاحب الشامل وغيره بأنه يلزمه الدفع عن نفسه دون غيره .

                                      وفيه نظر .

                                      قال أصحابنا : وللخلاف شروط : ( أحدها ) : طهارة السلاح ، فإن كان نجسا كالسيف الملطخ بدم ، والذي سقي سما نجس والنبل المريش بريش ما لا يؤكل لحمه أو بريش ميتة لم يجز حمله بلا خلاف .

                                      ( الثاني ) : ألا يكون مانعا من بعض أركان الصلاة فإن كان كبيضة تمنع مباشرة الجبهة لم يجز بلا خلاف [ ص: 310 ] إلا أن يمكن رفعها حال السجود فيجوز حملها ، ولا يجب .

                                      ( الثالث ) : أن لا يتأذى به أحد كرمح في وسط الناس ، فإن خيف الأذى كره حمله .

                                      ( الرابع ) : أن يكون في ترك السلاح خطر محتمل لا مقطوع به ، ولا مظنون ، فأما إذا تعرض للهلاك غالبا لو تركه فيجب حمله قطعا ، صرح به إمام الحرمين وغيره ، وقال الإمام : ويحرم ترك السلاح والحالة هذه في الصلاة وغيرها .

                                      واعلم أن الأصحاب ترجموا المسألة بحمل السلاح .

                                      قال إمام الحرمين : ليس الحمل متعينا بل لو وضع السيف بين يديه وكان مد اليد إليه في السهولة كمدها إليه ، وهو محمول كان ذلك في معنى الحمل ، وله حكمه قطعا ، وإن كان لا يظهر في تركه خلل ولكن لا يؤمن إفضاؤه إلى خلل فهو محل الخلاف في الصلاة وغيرها قال أصحابنا : وإذا أوجبنا حمله فتركوه صحت صلاتهم بلا خلاف ، كالصلاة في أرض مغصوبة وأولى بالصحة .

                                      قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط : ويحتمل أن يقال : المرخص في تغيير هيئة الصلاة هو الأخذ بالجزم ، فتاركه كمن صلى هذه الصلاة بلا خوف ، وهذا الذي قالاه احتمال لهما وإلا فلا خلاف في صحة الصحة .

                                      قال أصحابنا : ويجوز ترك السلاح للعذر بمرض أو أذى من مطر أو غيره لقوله تعالى - : { ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم } قال القاضي ابن كج : والسلاح يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها ، فأما الترس والدرع فليس بسلاح ، والله أعلم .

                                      قال الشيخ أبو حامد والبندنيجي : السلاح أربعة أقسام : حرام ومكروه ومختلف في وجوبه ومختلف الحال .

                                      فالحرام النجس كالشاب المريش بريش نجس والسلاح الملطخ بدم وغيره ، والمكروه ما كان ثقيلا يشغله عن الصلاة كالجوش والترس والجعبة ونحوها ، والمختلف في وجوبه ما سوى ذلك ، ومختلف الحال كالرمح وغيره مما يتأذى به جاره فإن كان في أثناء الناس كره ، وإن كان في طرقهم فلا إذا قلنا : المسألة على قولين ، وإن قلنا بالطريق الثاني : إنها على حالين كان السلاح على خمسة أقسام : محرم ومكروه كما ذكرنا ، وواجب ، وهو ما يدفع به عن نفسه ، ومستحب ، وهو ما يدفع به عن غيره ، ومختلف الحال [ ص: 311 ]

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في حمل السلاح والأصح عندنا أنه لا يجب لكن يستحب وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود واحتج من أوجبه بقوله تعالى - : { وليأخذوا أسلحتهم } وبقوله تعالى - : { ، ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم } قالوا : ورفع الجناح عند العذر يدل على وجوبه إذا لم يكن عذر ، وأجاب الأصحاب بأن الأمر هنا محمول على الندب ، ورفع الجناح لا يلزمه منه الوجوب ، بل معناه رفع الكراهة .

                                      فأما إذا قلنا : لا يجب نقول : يكره ترك السلاح إذا لم يكن عذر ، فإذا كان زالت الكراهة والجناح .

                                      هكذا أجاب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والأصحاب




                                      الخدمات العلمية