الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ومن وجبت فطرته على غيره فهل يجب ذلك على المؤدي ابتداء ؟ أو يجب على المؤدى عنه ثم يتحمل المؤدي ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) : تجب على المؤدي ابتداء ; لأنها تجب في ماله ( والثاني ) : تجب على المؤدى عنه ; لأنها تجب لتطهيره ، فإن تطوع المؤدى عنه وأخرج بغير إذن المؤدي ففيه وجهان ، إن قلنا : إنها تجب على المؤدي ابتداء ، لم تجزئه ، كما لو أخرج زكاة ماله عنه بغير إذنه ، ( وإن قلنا ) : يتحمل جاز ; لأنه أخرج ما وجب عليه ، وإن كان من يمونه مسلما وهو كافر فعلى الوجهين ( إن قلنا ) : إنها تجب عليه ابتداء ، لم تجب ; لأنه إيجاب زكاة على كافر وإن قلنا : إنه يتحمل ، وجب عليه ; لأن الفطرة وجبت على مسلم وإنما هو متحمل ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : الفطرة الواجبة على الشخص بسبب [ ص: 81 ] غيره فيها خلاف ، قال المصنف والأكثرون : هو وجهان . وقال القاضي أبو الطيب في " المجرد " والبغوي والسرخسي وآخرون : هو قولان ، وقال إمام الحرمين وآخرون : هو قولان مستنبطان من كلام الشافعي رضي الله عنه في فطرة الزوجة الحرة والأمة إذا كان الزوج معسرا .

                                      ( أحدهما ) : تجب على المؤدي ابتداء ولا يلاقي الوجوب المؤدى عنه ( وأصحهما ) عند الأصحاب : تجب على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي ، قال السرخسي في " الأمالي " : هذا هو المنصوص للشافعي في عامة كتبه ; لأنها شرعت طهرة له ، ثم إن المصنف والجمهور أطلقوا الخلاف وطردوه في كل مؤد عن زوج وسيد وقريب ، وقال إمام الحرمين : وقال طوائف من المحققين : هذا الخلاف إنما هو في فطرة الزوجة فقط ، ( فأما ) فطرة المملوك والقريب فتجب على المؤدي ابتداء بلا خلاف ; لأن المؤدى عنه لا يصلح للإيجاب ، واختار إمام الحرمين هذه الطريقة ، وقال : طرد الخلاف في الجميع بعيد والمشهور في المذهب : طرده في جميعهم . قال الرافعي : وحيث قلنا بالتحمل فهل هو كالضمان أم كالحوالة ؟ فيه قولان حكاهما أبو العباس الروياني في " المسائل الجرجانيات " وهذا الذي نقله الروياني والرافعي غريب .

                                      والصحيح الذي يقتضيه المذهب وكلام الشافعي والأصحاب : أنه كالحوالة ، بمعنى أنه لازم للمؤدي لا يسقط عنه بعد وجوبه ، ولا مطالبة على المؤدى عنه . ووجه القول بالضمان - وبه جزم السرخسي - : أنه لو أداها المتحمل عنه بغير إذن المؤدي أجزأه على هذا القول وسقطت على المؤدي . ولولا أنه كالمضمون عنه لما أجزأه ، والله أعلم .

                                      وفرع الأصحاب على الخلاف في التحمل وعدمه مسائل : ( إحداها ) : لو كان للكافر عبد أو مستولدة أو قريب مسلمون فهل عليه فطرتهم ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف ( أصحهما ) [ ص: 82 ] عند الأصحاب : الوجوب بناء على أنها على المؤدى عنه ، ثم يتحملها المؤدي ، ( وإن قلنا ) : على المؤدى عنه ابتداء لم يجب هنا . قال إمام الحرمين : فإن أوجبناها ، فلا صائر إلى أن المؤدى عنه يحتاج إلى النية .

                                      ( الثانية ) : إذا لزمه نفقة قريب أو زوجة أو مملوك فأداها لم يفتقر إلى إذن المؤدى عنه بلا خلاف ، ولو أداها القريب باستقراض أو غيره أو أدتها الزوجة ، فإن كان بإذن من لزمته أجزأ بلا خلاف ، كما لو قال لأجنبي : أد فطرتي أو زكاة مالي فأداها ، فإنه يجزئ بلا خلاف ، وإن كان بغير إذنه فثلاث طرق ( أصحها ) وأشهرها وبه قطع المصنف والجمهور : أنه مبني على التحمل - إن قلنا بالتحمل - أجزأ وإلا فلا ، ووجههما : ما ذكره المصنف والصحيح الإجزاء ، هو نص الشافعي في " المختصر " وهو مقتضى البناء المذكور .

                                      ( والطريق الثاني ) حكاه السرخسي عن أبي علي السنجي : أنه لا يجزئ سواء قلنا بالتحمل أم لا ، إلا بإذن الزوج قال : لأن له الإخراج بغير إذن الزوجة والقريب بلا خلاف ، قال السرخسي : هذا خلاف النص . قال : والصحيح الإجزاء ; لأن الزوج على هذا القول كالضامن ، والمرأة في معنى المضمون عنه ، وكل واحد منهما له الأداء بغير إذن الآخر .

                                      ( والطريق الثالث ) وبه قطع الماوردي : أن إخراج القريب يجزئ بلا خلاف سواء استأذن أم لا ، وأما الزوجة فإن استأذنت أجزأ وإلا فوجهان .

                                      ( الثالثة ) : إذا دخل وقت الوجوب وله أب معسر وعليه نفقته فأيسر الأب قبل أن يخرج الابن الفطرة قال البغوي : إن قلنا : الوجوب يلاقي الأب لزمه فطرة نفسه ولا يجب على الابن ، وإلا فعلى الابن دون الأب .

                                      ( الرابعة ) : إذا تزوج معسر بموسرة أو تزوج الموسرة عبد أو تزوج الأمة معسر فهل على الموسرة وسيد الأمة فطرتها ؟ فيه خلاف مبني على التحمل ، وقد ذكره المصنف بعد هذا ، وسنوضحه إن شاء الله تعالى . [ ص: 83 ] الخامسة ) : إذا كان له أب معسر له زوجة ، فإن قلنا بالتحمل لزم الابن فطرتها كفطرة الأب وإلا فلا ; لأنها لا تجب على الأب فالابن أولى ، وممن ذكر المسألة السرخسي .



                                      فرع فيما يدخله التحمل . ذكر إمام الحرمين منه هنا أربع صور ( إحداها ) : أداء الزكاة صرفا إلى الغارم قال : وهذا تحمل حقيقي وارد على وجوب مستقر .

                                      ( الثانية ) : تحمل الدية عن القاتل ، وهل تجب على العاقلة ابتداء ؟ أم على الجاني ثم تحملها العاقلة ؟ فيه خلاف مشهور .

                                      ( الثالثة ) : الفطرة وفيها الخلاف الذي ذكرناه ( الرابعة ) : كفارة جماعه زوجته في نهار رمضان - إذا قلنا بالمذهب : إنه يجب عليه كفارة واحدة - فهل هي عنه أو عنه وعنها فيه القولان المشهوران .




                                      الخدمات العلمية