الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 165 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجب صرف جميع الصدقات إلى ثمانية أصناف ، وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل . وقال المزني وأبو حفص البابشامي : يصرف خمس الركاز إلى من يصرف إليه خمس الفيء والغنيمة ; لأنه حق مقدر بالخمس . فأشبه خمس الفيء والغنيمة . وقال أبو سعيد الإصطخري : تصرف زكاة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء ; لأنه قدر قليل ، فإذا قسم على ثمانية أصناف لم يقع ما يدفع إلى كل واحد منهم موقعا من الكفاية ، والمذهب الأول . والدليل عليه قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل } فأضاف جميع الصدقات إليهم فاللام التمليك ، وأشرك بينهم بواو التشريك ، فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : إن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله سقط نصيب العامل ووجب صرفها إلى الأصناف السبعة الباقين إن وجدوا ، وإلا فالموجود منهم ولا يجوز ترك صنف منهم مع وجوده ، فإن ترك ضمن نصيبه ، وهذا لا خلاف فيه إلا ما سيأتي إن شاء الله تعالى في المؤلفة من الخلاف ، وبمذهبنا في استيعاب الأصناف قال عكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وداود . وقال الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشعبي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد : له صرفها إلى صنف واحد . قال ابن المنذر وغيره : وروي هذا عن حذيفة وابن عباس . قال أبو حنيفة : وله صرفها إلى شخص واحد من أحد الأصناف . قال مالك : ويصرفها إلى أمسهم حاجة . وقال إبراهيم النخعي : إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف ، وإلا وجب استيعاب الأصناف ، وحمل أبو حنيفة وموافقوه الآية الكريمة على التخيير في هذه الأصناف . قالوا : ومعناها لا يجوز صرفها إلى غير هذه الأصناف وهو فيهم مخير . واحتج أصحابنا بما ذكره المصنف وقد أجمعوا على أنه لو قال : هذه الدنانير لزيد وعمرو وبكر قسمت بينهم فكذا هنا .



                                      [ ص: 166 ] ( وأما ) خمس الركاز فالمشهور وجوب صرفه في مصرف باقي الزكوات ، وقال المزني وأبو حفص : يصرف خمس الفيء والغنيمة ، وبه قال أبو حنيفة وسبق بيانه في باب زكاة المعدن .



                                      ( وأما ) زكاة الفطر فمذهب الشافعي وجمهور أصحابه وجوب صرفها إلى الأصناف كلهم كباقي الزكوات ، وقال الإصطخري : يجوز صرفها إلى ثلاثة من الفقراء ودليلهما في الكتاب ، واختلف أصحابنا في تحقيق مذهب الإصطخري فقال المصنف : تصرف إلى ثلاثة من الفقراء واتفق أصحابنا على أن الإصطخري يجوز صرفها إلى ثلاثة من الفقراء ، أو من المساكين واختلفوا في جواز الصرف عنده إلى ثلاثة من صنف غير الفقراء والمساكين ، فحكى عنه الجمهور جواز صرفها إلى ثلاثة من أي صنف كان ، ممن صرح بهذا الماوردي والقاضي أبو الطيب والسرخسي وصاحب البيان وآخرون . وقال المحاملي في كتابه المجموع والتجريد والمتولي : بأنه لا يسقط الفرض عنده بالدفع إلى ثلاثة من غير الفقراء والمساكين . قال السرخسي : جوز الإصطخري صرفها إلى ثلاثة أنفس من صنف ، أو من أصناف مختلفة ، قال : وشرط الإصطخري في الاقتصار على ثلاثة أن يفرقها المزكي بنفسه . قال فإن دفعها إلى الإمام أو الساعي لزم الإمام والساعي تعميم الأصناف ; لأنها تكثر في يده فلا يتعذر التعميم ، وشرط مالك صرفها إلى ثلاثة من الفقراء خاصة ، هذا كلام السرخسي .

                                      واختار الروياني في الحلية قول الإصطخري ، وحكى عن جماعة من أصحابنا اختياره قال الرافعي : ورأيت بخط الفقيه أبي بكر بن بدران أنه سمع أبا إسحاق الشيرازي يقول في اختياره ورأيه : إنه يجوز صرف زكاة الفطر إلى شخص واحد والمشهور في المذهب وجوب استيعاب الأصناف ، ورد أصحابنا مذهب الإصطخري . وقوله : إنها قليلة ، بأنه يمكنه جمعها مع زكاة غيره فتكثر ، قالوا : وينتقض قوله أيضا بمن لزمه جزء من حيوان بأن تلف معظم النصاب بعد الحول وقبل التمكن ، وكذا لو لزمه نصف دينار عن عشرين مثقالا ، فإنه يلزمه صرفه إلى الأصناف ووافق عليه الإصطخري . والله أعلم . [ ص: 167 ] هذا كله إذا فرق الزكاة رب المال أو وكيله ، فأما إذا فرق الإمام أو الساعي فيلزمه صرف الفطرة وزكاة الأموال إلى الأصناف الموجودين ، ولا يجوز ترك صنف منهم بلا خلاف ، لكن يجوز أن يصرف زكاة رجل واحد إلى شخص واحد ، وزكاة شخصين أو أكثر إلى شخص واحد بشرط أن لا يترك صنفا ، ولا يرجع صنفا على صنف وسنوضحه فيما بعد إن شاء الله تعالى .




                                      الخدمات العلمية