الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      ومن آداب المتعلم : أن يتحرى رضا المعلم - وإن خالف رأي نفسه - ولا يغتاب عنده ولا يفشي له سرا ، وأن يرد غيبته إذا سمعها ، فإن عجز فارق ذلك المجلس . وألا يدخل عليه بغير إذن ، وإذا دخل جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم ، وأن يدخل كامل الهيبة ، فارغ القلب من الشواغل ، متطهرا متنظفا بسواك ، وقص شارب وظفر ، وإزالة كريه رائحة ، ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا ، ويخص الشيخ بزيادة إكرام ، وكذلك يسلم إذا انصرف ، ففي الحديث الأمر بذلك ، ولا التفات إلى من أنكره ، وقد أوضحت هذه المسألة في كتاب الأذكار .

                                      ولا يتخطى رقاب الناس ، ويجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يصرح له الشيخ أو الحاضرون بالتقدم والتخطي ، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك ، ولا يقيم أحدا من مجلسه ، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون في ذلك مصلحة للحاضرين ، بأن يقرب من الشيخ ، ويذاكره مذاكرة ينتفع الحاضرون بها ، ولا يجلس وسط الحلقة إلا لضرورة . ولا بين صاحبين إلا برضاهما ، وإذا فسح له قعد وضم نفسه ، ويحرص على القرب من الشيخ ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة ، وهذا بشرط أن لا يرتفع في المجلس على أفضل منه ويتأدب مع رفقته وحاضري المجلس ، فإن تأدبه معهم تأدب مع [ ص: 68 ] الشيخ ، واحترام لمجلسه . ويقعد قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين ، ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة ، ولا يضحك ، ولا يكثر الكلام بلا حاجة ، ولا يعبث بيده ولا غيرها ، ولا يلتفت بلا حاجة ، بل يقبل على الشيخ مصغيا إليه ، ولا يسبقه إلى شرح مسألة أو جواب سؤال إلا أن يعلم من حال الشيخ إيثار ذلك ، ليستدل به على فضيلة المتعلم . ولا يقرأ عليه عند شغل قلب الشيخ وملله وغمه ، ونعاسه واستيقاظه ، ونحو ذلك مما يشق عليه ، أو يمنعه استيفاء الشرح . ولا يسأله عن شيء في غير موضعه إلا أن يعلم من حاله أنه لا يكرهه . ولا يلح في السؤال إلحاحا مضجرا ، ويغتنم سؤاله عند طيب نفسه وفراغه ، ويتلطف في سؤاله ، ويحسن خطابه ، ولا يستحي من السؤال عما أشكل عليه ، بل يستوضحه أكمل استيضاح ، فمن رق وجهه رق علمه ، ومن رق وجهه عند السؤال ظهر نقصه عند اجتماع الرجال . وإذا قال له الشيخ : أفهمت ؟ فلا يقل : نعم ، حتى يتضح له المقصود إيضاحا جليا ; لئلا يكذب ويفوته الفهم . ولا يستحي من قوله : لم أفهم ، لأن استثباته يحصل له مصالح عاجلة وآجلة ، فمن العاجلة : حفظه المسألة ، وسلامته من كذب ونفاق ، بإظهاره فهم ما لم يكن فهمه . ومنها : اعتقاد الشيخ اعتناءه ورغبته وكمال عقله وورعه ، وملكه لنفسه وعدم نفاقه ، ومن الآجلة ثبوت الصواب في قلبه دائما ، واعتياده هذه الطريقة المرضية ، والأخلاق الرضية .

                                      وعن الخليل بن أحمد - رحمه الله - : منزلة الجهل ، بين الحياء والأنفة . وينبغي إذا سمع الشيخ يقول مسألة ، أو يحكي حكاية وهو يحفظها ، أن يصغي لها إصغاء من لم يحفظها ، إلا إذا علم من حال الشيخ إيثاره علمه بأن المتعلم حافظها .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية