الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 217 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كانت تغتسل من الحيض فالمستحب لها أن تأخذ فرصة من المسك فتتبع بها أثر الدم ، لما روت عائشة رضي الله عنها أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال : { خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت : كيف أتطهر بها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : سبحان الله تطهري بها قالت عائشة رضي الله عنها : قلت تتبعي بها أثر الدم } " فإن لم تجد مسكا فطيبا غيره ، لأن القصد تطيب الموضع فإن لم تجد فالماء كاف ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عائشة هذا رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم ، أن المرأة السائلة أسماء بنت شكل بفتح الشين والكاف ، وقيل : بإسكان الكاف وذكر جماعة منهم الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي في كتابه المبهمات أنها أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء ، والفرصة بكسر الفاء وإسكان الراء وبالصاد المهملة وهي القطعة ، والمسك بكسر الميم وهو الطيب المعروف ، وقيل : بفتح الميم وهي الجلد أي قطعة من جلد ، والصواب الأول ، ويوضحه أنه ثبت في رواية في الصحيحين فرصة ممسكة - بفتح السين المشددة - أي قطعة صوف أو قطن أو نحوهما مطيبة بالمسك ، وهذا التطيب متفق على استحبابه . قال البغوي وآخرون : تأخذ مسكا في خرقة أو صوفة أو قطنة ونحوها وتدخلها فرجها . والنفساء كالحائض في هذا . نص عليه الشافعي والأصحاب . قال المحاملي في المقنع : يستحب للمغتسلة من حيض أو نفاس أن تطيب بالمسك أو غيره المواضع التي أصابها الدم من بدنها وتعميمه البدن غريب [ ص: 218 ] قال أصحابنا : فإن لم تجد مسكا فطيبا غيره فإن لم تجد شيئا من الطيب استحب طين أو نحوه لقطع الرائحة الكريهة وممن ذكر الطين بعد فقد الطيب البندنيجي وابن الصباغ والمتولي والروياني في الحلية والرافعي ، ثم الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور من أصحابنا وغيرهم من العلماء أن المقصود بالمسك تطيب المحل ودفع الرائحة الكريهة ، وحكى صاحب الحاوي فيه - وجهين - ( أحدهما ) تطييب المحل ليكمل استمتاع الزوج بإثارة الشهوة وكمال اللذة ( والثاني ) لكونه أسرع إلى علوق الولد ، قال : فإن فقدت المسك وقلنا بالأول أتت بما يقوم مقامه في دفع الرائحة ، وإن قلنا بالثاني فيما يسرع إلى العلوق كالقسط والأظفار ونحوهما ، قال : واختلف الأصحاب في وقت استعماله فمن قال بالأول قال بعد الغسل ومن قال بالثاني فقبله هذا كلام صاحب الحاوي وهذا الوجه الثاني ليس بشيء ، وما تفرع عليه أيضا ليس بشيء ، وهو خلاف الصواب وما عليه الجمهور ، والصواب أن المقصود به تطييب المحل ، وأنها تستعمله بعد الغسل لحديث عائشة أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض : " { فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها } " رواه مسلم بهذا اللفظ وقد اتفقوا على استحبابه للمزوجة وغيرها والبكر والثيب والله أعلم . وأما قول المصنف : " فإن لم تجد فالماء كاف " فكذا عبارة إمام الحرمين وجماعة ، وقد يقال الماء كاف وجدت الطيب أم لا ، وعبارة الشافعي في الأم والمختصر أحسن من هذه قال : " فإن لم تفعل فالماء كاف " وكذا قاله البندنيجي وغيره وعبارة المصنف وموافقيه أيضا صحيحة ومرادهم أن هذه سنة متأكدة يكره تركها بلا عذر ، فإذا عدمت الطيب فهي معذورة في تركها ولا كراهة في حقها ولا عتب ، وهذا كما قال الأصحاب : يعذر المريض وشبهه [ ص: 219 ] في ترك الجماعة وإن قلنا : هي سنة لأنها سنة متأكدة يكره تركها كما سنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى .




                                      الخدمات العلمية