الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 280 ) فصل : فإن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره ، فلم يخرج فلا غسل عليه في ظاهر [ ص: 129 ] قول الخرقي ، وإحدى الروايتين عن أحمد وقول أكثر الفقهاء . والمشهور عن أحمد وجوب الغسل ، وأنكر أن يكون الماء يرجع ، وأحب أن يغتسل .

                                                                                                                                            ولم يذكر القاضي في وجوب الغسل خلافا ، قال : لأن الجنابة تباعد الماء عن محله ، وقد وجد ، فتكون الجنابة موجودة ، فيجب الغسل بها ; ولأن الغسل تراعى فيه الشهوة ، وقد حصلت بانتقاله ، فأشبه ما لو ظهر ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على الرؤية وفضخه ، بقوله : " إذا رأت الماء " و " إذا فضخت الماء فاغتسل " فلا يثبت الحكم بدونه ، وما ذكره من الاشتقاق لا يصح ; لأنه يجوز أن يسمى جنبا لمجانبته الماء ، ولا يحصل إلا بخروجه منه أو لمجانبته الصلاة أو المسجد أو غيرهما ; مما منع منه ، ولو سمي بذلك مع الخروج ، لم يلزمه وجود التسمية من غير خروج ، فإن الاشتقاق لا يلزم منه الاطراد ، ومراعاة الشهوة للحكم لا يلزم منه استقلالها به ، فإن أحد وصفي العلة وشرط الحكم مراعى له ، ولا يستقل بالحكم ، ثم يبطل بلمس النساء ، وبما إذا وجدت الشهوة هاهنا من غير انتقال ; فإن الشهوة لا تستقل بالحكم في الموضعين مع مراعاتها فيه ، وكلام أحمد هاهنا إنما يدل على أن الماء إذا انتقل ، لزم منه الخروج .

                                                                                                                                            وإنما يتأخر ، ولذلك يتأخر الغسل إلى حين خروجه ، فعلى هذا إذا خرج المني بعد ذلك لزمه الغسل ، سواء اغتسل قبل خروجه أو لم يغتسل ; لأنه مني خرج بسبب الشهوة ، فأوجب الغسل ، كما لو خرج حال انتقاله . وقد قال أحمد رحمه الله ، في الرجل يجامع ولم ينزل ، فيغتسل ، ثم يخرج منه المني : عليه الغسل . وسئل عن رجل رأى في المنام أنه يجامع فاستيقظ ، فلم يجد شيئا ، فلما مشى خرج منه ، المني ، قال : يغتسل . وقال القاضي في الذي أحس بانتقال المني ، فأمسك ذكره ، فاغتسل ، ثم خرج منه المني من غير مقارنة شهوة بعد البول : فلا غسل عليه . رواية واحدة .

                                                                                                                                            وإن كان قبل البول فعلى روايتين ; لأنه بعد البول غير المني المنتقل خرج بغير شهوة ، فأشبه الخارج لمرض ، وإن كان قبله فهو ذلك المني الذي انتقل . ووجه ما قلنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل عند رؤية الماء وفضخه ، وقد وجد ، ونص أحمد على وجوب الغسل على المجامع الذي يرى الماء بعد غسله ، وهذا مثله ، وقد دللنا على أن من أحس بانتقال المني ولم يخرج لا غسل عليه ، ويلزم من ذلك وجوب الغسل عليه بظهوره ، لئلا يفضي إلى نفي الوجوب عنه بالكلية ، مع انتقال المني لشهوة وخروجه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية