الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          131 - مسألة : والمني طاهر في الماء كان أو في الجسد أو في الثوب ولا تجب إزالته ، والبصاق مثله ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة كلاهما عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث قال { أرسلت عائشة أم المؤمنين إلى ضيف لها تدعوه فقالوا : هو يغسل جنابة في ثوبه ، قالت ولم يغسله ؟ لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم } فأنكرت رضي الله عنها غسل المني .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن جواس الحنفي أبو عاصم ثنا أبو الأحوص عن شبيب بن غرقدة عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال { كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغمستهما في الماء ، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها ، فبعثت إلي عائشة : ما حملك على ما صنعت بثوبيك ؟ قلت : رأيت ما يرى النائم في منامه : قالت : هل رأيت فيهما شيئا ؟ قلت لا ، قالت : فلو رأيت شيئا غسلته لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري } فهذه الرواية تبين كذب من تخرص بلا علم وقال : كانت تفركه بالماء .

                                                                                                                                                                                          حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد { أن عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه } وقد رواه أيضا علقمة بن قيس والحارث بن نوفل عن عائشة مسندا ، وهذا تواتر ، وصح عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يفرك المني من ثوبه ، وصح عن ابن عباس في المني يصيب الثوب ، هو بمنزلة النخام والبزاق امسحه بإذخرة أو بخرقة ، [ ص: 135 ] ولا تغسله إن شئت إلا أن تقذره أو تكره أن يرى في ثوبك ، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد بن حنبل وأبي سليمان وجميع أصحابهم . وقال مالك : هو نجس ولا يجزئ إلا غسله بالماء . وروينا غسله عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأنس وسعيد بن المسيب . وقال أبو حنيفة : هو نجس ، فإن كان في الجسد منه أكثر من قدر الدرهم البغلي لم يجزئ في إزالته غير الماء ، فإن كان قدر الدرهم البغلي فأقل أجزأت إزالته بغير الماء ، فإن كان في الثوب أو النعل أو الخف منه أكثر من قدر الدرهم البغلي ، فإن كان رطبا لم يجز إلا غسله بأي مائع كان ، فإن كان يابسا أو كان قدر الدرهم البغلي فأقل وإن كان رطبا أجزأ مسحه فقط ، وروينا عن ابن عمر أنه قال : إن كان رطبا فاغسله وإن كان يابسا فحته . قال علي : واحتج من رأى نجاسة المني بحديث رويناه من طريق سليمان بن يسار عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني وكنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم } . وقالوا : هو خارج من مخرج البول فينجس لذلك وذكروا حديثا رويناه من طريق أبي حذيفة عن سفيان الثوري مرة قال : عن الأعمش ، ومرة قال : عن منصور ، ثم استمر ، عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة في المني { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بحته } . قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه . أما الصحابة رضي الله عنهم فقد روينا عن عائشة وسعد وابن عباس مثل قولنا ، وإذا تنازع الصحابة رضي الله عنهم فليس بعضهم أولى من بعض ، بل الرد حينئذ واجب إلى القرآن والسنة .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث سليمان بن يسار فليس فيه أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله ولا بإزالته ولا بأنه نجس . وإنما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسله . وأن عائشة تغسله ، وأفعاله صلى الله عليه وسلم ليست على الوجوب ، وقد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مالك بن إسماعيل ثنا زهير هو ابن معاوية - ثنا حميد عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فحكها بيده ورئي كراهيته لذلك } فلم يكن هذا دليلا عند خصومنا على نجاسة النخامة ، وقد يغسل المرء ثوبه مما ليس نجسا . وأما حديث سفيان فإنما انفرد به أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي ، بصري ضعيف مصحف [ ص: 136 ] كثير الخطإ ، روى عن سفيان البواطل ، قال أحمد بن حنبل فيه : هو شبه لا شيء ، كأن سفيان الذي يحدث عنه أبو حذيفة ليس سفيان الذي يحدث عنه الناس .

                                                                                                                                                                                          وأما قولهم : إنه يخرج من مخرج البول ، فلا حجة في هذا ، لأنه لا حكم للبول ما لم يظهر ، وقد قال الله تعالى : { من بين فرث ودم لبنا خالصا } فلم يكن خروج اللبن من بين الفرث والدم منجسا له ، فسقط كل ما تعلقوا به . وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقال بعضهم : يغسله رطبا على حديث سليمان بن يسار ، ويحكه يابسا على سائر الأحاديث . قال علي : وهذا باطل ; لأنه ليس في حديث سليمان أنه كان رطبا ، ولا في سائر الأحاديث أنه كان يابسا ، إلا في حديث الخولاني وحده ، فحصل هذا القائل على الكذب والتحكم ، إذ زاد في الأخبار ما ليس فيها . قال علي : وقد قال بعضهم : معنى { كنت أفركه } أي بالماء . قال علي : وهذا كذب آخر وزيادة في الخبر ، فكيف وفي بعض الأخبار - كما أوردنا - { يابسا بظفري . } قال علي : ولو كان نجسا لما ترك الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم يصلي به ، ولأخبره كما أخبره إذ صلى بنعليه وفيهما قذر فخلعهما ، وقد ذكرناه قبل هذا بإسناده ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية