الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال فمن ابتلي منكم بقضاء فليقض بما في كتاب الله تعالى ، وفي هذا إشارة إلى أن التحرز عن تقلد القضاء أولى فقد عده ابن مسعود رضي الله عنه من البلوى بقوله فمن ابتلي منكم وهو اختيار أبي حنيفة رحمه الله فإنه تحرز [ ص: 69 ] عن تقلد القضاء بعد ما حبس وضرب لأجله مرارا حتى قال بعض أصحابه رحمهم الله لو تقلدت نفعت الناس فنظر إليه شبه المغضب .

وقال لو أمرت أن أقطع البحر سباحة لكنت أقدر على ذلك وكأني بك قاضيا

ومن اختار تقلد القضاء قال هذا اللفظ من البلاء الذي هو نعمة قال الله تعالى { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } ، وإنما أراد من أنعم الله تعالى عليه بهذه الدرجة فليقض بما في كتاب الله تعالى وبذلك كان يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول { إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي } وقيل أهل بيته الأقربون والأبعدون فإن تمسكتم بهما لم تضلوا قال فإن لم يجد ذلك في كتاب الله تعالى فليقض بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك كان يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين { قال لأبي رواحة رضي الله عنه في حادثة أما كان لك في أسوة فقال أنت تسعى في رقبة قد فكت ، وأنا أسعى في رقبة لم يعرف فكاكها فقال صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله } قال فإن لم يجد ذلك فيما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقض بما قضى الصالحون يعني أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما جاء في الحديث { إذا ذكر الصالحون صنفحيهلا بعمر } قال فإن لم يجد فليجتهد رأيه ولا يقولن إني أرى ، وإني أخاف ، وفيه دليل على أن للقاضي أن يجتهد فيما لا نص فيه ، وأنه لا ينبغي أن لا يدع الاجتهاد في موضعه لخوف الخطأ فإن ترك الاجتهاد في موضعه بمنزلة الاجتهاد في غير موضعه فكما لا ينبغي له أن يشتغل بالاجتهاد مع النص لا ينبغي له أن يدع الاجتهاد فيما لا نص فيه ، ثم بين طريق الحق في ذلك بقوله { فإن الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى مالا يريبك } ، وهذا اللفظ مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الحسن رحمه الله ، وفيه بيان أن المجتهد إذا لم يترك الاحتياط في موضع الريبة فهو مؤد لما كلف أصاب المطلوب باجتهاده ، أو أخطأ وهو ما نقل عن أبي حنيفة رحمه الله كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد أي مصيب في طريق الاجتهاد ابتداء ، وقد يخطئ انتهاء فيما هو المطلوب بالاجتهاد ، ولكنه معذور في ذلك لما أتى بما في وسعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية