الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والأصح منعه لمحرم ) قصد عرفة في وقت العشاء و ( خاف ) إن صلاها كالعادة ( فوت الحج ) بأن لم يدرك عرفة قبل الفجر فلا تجوز له صلاة شدة الخوف ؛ لأنه محصل لا خائف وبه يعلم أنه لا يصلي [ ص: 16 ] كذلك طالب عدو إلا إن خشي كرهم عليه أو كمينا أو انقطاعا عن رفقته أي وخشي بذلك ضررا كما هو ظاهر وأن من أخذ له مال وهو في الصلاة لا يجوز له إذا تبعه أن يبقى فيها ويصليها كذلك على الأوجه خلافا لجمع بل يقطعها ويتبعه إن شاء ، وإذا امتنع على المحرم ذلك لزمه كما قاله ابن الرفعة إخراج العشاء عن وقتها وتحصيل الوقوف ؛ لأن قضاء الحج صعب بخلاف قضاء الصلاة ولأنه عهد جواز تأخيرها عن وقتها لنحو عذر السفر وتجهيز ميت خيف تغيره فهذا أولى ولو كان يدرك منها ركعة بعد تحصيل الوقوف وجب تأخيرها جزما [ ص: 17 ] قيل العمرة المنذورة في وقت معين كالحج في هذا ا هـ وليس في محله ؛ لأن الحج يفوت بفوات عرفة والعمرة لا تفوت بفوات ذلك الوقت .

                                                                                                                              وفي الجيلي لو ضاق الوقت وهو بأرض مغصوبة أحرم ماشيا كهارب من حريق ورجحه الغزي بأن المنع الشرعي كالحسي وأيده بتصريح القاضي به في ستر العورة وفيه نظر والذي يتجه أنه لا تجوز له صلاتها صلاة شدة الخوف لما تقرر في مسألة الحج ، وأنه يلزمه الترك حتى يخرج منها كما له تركها لتخليص ماله لو أخذ منه بل أولى ومن ثم صرح بعضهم بأن من رأى حيوانا محترما يقصده ظالم أي ولا يخشى منه قتالا أو نحوه أو يغرق لزمه تخليصه وتأخيرها أو إبطالها إن كان فيها ، أو مالا [ ص: 18 ] جاز ذلك وكره له تركه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن والأصح منعه لمحرم ) أي بفرض [ ص: 16 ] أو نفل م ر ولو ضاق الوقت قبل الإحرام بحيث لا يسع الباقي إدراك الوقوف مع العشاء فهل يجوز الإحرام ولو نفلا ثم يجب ترك العشاء وإدراك الوقوف فيه نظر وظاهر أنا وإن قلنا لا يجوز لكن لو أحرم صح إحرامه ووجب تأخير العشاء ( قوله أو انقطاعا ) كما صرح به الجرجاني واعتمده الزركشي وغيره ش ( قوله : وأن من أخذ له مال وهو في الصلاة إلخ ) لا يخالف ذلك قول الروض ومن دفع عن نفسه وماله وحرمه ونفس غيره أي له صلاة شدة الخوف ، وذلك لأنه فيما ذكره محصل لا خائف لخروج المال من يده وإرادته عوده إليها ، وفيما ذكره الروض بالعكس أي خائف لا محصل لأن المذكورات حاصلة عنده ويخشى فواتها فتأمل ( قوله : خلافا لجمع ) منهم ابن العماد وأفتى بما قالوه شيخنا الشهاب الرملي وعليه لا يضر وطء النجاسة كحامل سلاحه الملطخ بالدم للحاجة ويلزمه فعلها ثانيا على المعتمد شرح م ر ( قوله : لزمه ) أي وإن كان ما أحرم به نفلا شرح م ر ( قوله لزمه كما قاله ابن الرفعة إخراج العشاء ) ظاهره وإن تعمد ترك الذهاب لعرفة إلى أن ضاق الوقت .

                                                                                                                              ( قوله [ ص: 17 ] وفي الجيلي إلخ ) توهم بعض الطلبة أن قياس ذلك أنه لو أحرم لابس ثوب حرير وجب عليه قطع الصلاة والوجه أن يقال إن لم يكن عنده إلا ذلك الثوب من الحرير وجب استمرار لبسه وامتنع الخروج من الصلاة لأن من فقد غير الحرير وجب عليه الاستتار به في الصلاة فضلا عن جوازه ، وإن كان عنده غيره مما يجوز لبسه فإن أمكنه نزع الحرير ولبس ما يجوز من غير أن يمضي زمن تبدو فيه عورته وجب عليه ذلك وامتنع عليه قطع الصلاة ، وإن لم يمكنه ذلك إلا مع مضي ذلك الزمن فيحتمل وجوب الاستمرار إلى فراغ الصلاة مراعاة لحرمتها مع إثمه باللبس المتعدي به ، ويحتمل وجوب نزعه والخروج منها ولو أحرم في ثوب مغصوب فإن لم يتمكن من غيره وجب نزعه والاستمرار في الصلاة ، وإن تمكن منه ومن نزع المغصوب ولبس غيره بلا زمن تبدو فيه العورة وجب وإلا فيحتمل وجوب النزع وقطع الصلاة فليحرر ، ( قوله : أحرم ماشيا ) قال في شرح العباب قال يعني الأذرعي وهذا إن صح فينبغي وجوب الإعادة لتقصيره ا هـ وإنما يتجه إن كان خارجا غير تائب أو تائبا وقلنا إنه مرتبك في المعصية وإلا فالوجه عدم القضاء ، على أن الوجه أنه لا يجوز له هذه الصلاة إلا إن خرج تائبا ؛ لأن خوفه من الإثم كخوفه من السبع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لما تقرر ) يتأمل ( قوله : لزمه تخليصه وتأخيرها أو إبطالها ) قد يتجه هنا جواز صلاة شدة الخوف ؛ لأنه خائف فوت ما هو حاصل إلا أن يكون الفرض أنه لو فعلها كشدة [ ص: 18 ] الخوف فات التخليص فيتجه ما ذكر م ر ( قوله : جاز ذلك ) ظاهره عدم الوجوب وإن كان ذلك المال نحو وديعة أو مال يتيم تحت يده أو وقف وفيه وقفة .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( منعه لمحرم ) أي بفرض أو نفل م ر ولو ضاق الوقت قبل الإحرام بحيث لا يسع الباقي إدراك الوقوف مع العشاء فهل يجوز الإحرام ولو نفلا ثم يجب ترك العشاء وإدراك الوقوف فيه نظر وظاهر أنا وإن قلنا لا يجوز لكن لو أحرم صح إحرامه ووجب تأخير العشاء سم عبارة البجيرمي ، وأما إذا كان قبل الإحرام فتتعين الصلاة ويمتنع عليه الإحرام بالحج حلبي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : في وقت العشاء ) مثال لا قيد بل لو لم يمكنه تحصيل الوقوف إلا بترك صلوات أيام وجب الترك زيادي ويأتي عن ع ش مثله ( قوله : وبه يعلم إلخ ) أي [ ص: 16 ] بالتعليل ويعلم بذلك أيضا أن الهارب عن نحو المطر صيانة لنحو ثيابه عن التضرر به يصلي صلاة شدة الخوف لأنه خائف لا محصل ( قوله : طالب عدو ) أي منهزم منه خاف فوته لو صلى متمكنا مغني ( قوله : إلا إن خشي كرهم عليه إلخ ) أي فله أن يصليها لأنه خائف ويؤخذ من ذلك أنه لو خطف شخص عمامته أو مداسه مثلا وهرب به وأمكنه تحصيله أن له هذه الصلاة لأنه خاف فوت ما هو حاصل عنده مغني ويأتي عن النهاية مثله وفي الشرح خلافه ( قوله : بذلك ) أي الكر وما عطف عليه ( قوله : لا يجوز له إلخ ) لا يخالف ذلك قول الروض ومن دفع عن نفسه وماله وحرمه ونفس غيره أي له صلاة شدة الخوف لأنه فيما ذكره محصل لا خائف لخروج المال من يده وإرادته عوده إليها وفيما ذكره الروض خائف لا محصل لأن المذكورات حاصلة عنده ويخشى فواتها فتأمل .

                                                                                                                              سم عبارة النهاية وألحق بعضهم بالمحرم المشتغل بإنقاذ غريق ودفع صائل عن نفس أو مال أو بصلاة على ميت خيف انفجاره ا هـ قال ع ش قوله أو دفع صائل إلخ أي لغيره بقرينة ما مر في قوله للخوف على ماله حيث جوز فيه صلاة شدة الخوف وأوجب التأخير وقوله على ميت إلخ أي فيتركها رأسا وبقي ما لو تعارض عليه إنقاذ الغريق أو الأسير أو انفجار الميت وفوت الحج فهل يقدم الحج أو لا فيه نظر والأقرب الثاني ويوجه بأن الحج يمكن تداركه ولو بمشقة بخلاف غيره ا هـ ع ش وقوله أي لغيره تقدم في الشرح وعن المغني والأسنى ما يخالفه ( قوله : على الأوجه إلخ ) خلافا للمغني كما مر وللنهاية عبارته ولو خطف نعله مثلا في الصلاة جازت له صلاة شدة الخوف إذا خاف ضياعه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعا لابن العماد ولا يضر وطؤه النجاسة كحامل سلاحه الملطخ بالدم للحاجة ويلزمه فعلها ثانيا على المعتمد والمسألة مأخوذة من قولهم : أنه تجوز صلاة شدة الخوف على ماله إلخ ا هـ

                                                                                                                              أقول ويؤخذ من قولهم المذكور أيضا أنه لو جاء نحو المطر في الصلاة على نحو كتابه جازت له صلاة شدة الخوف إذا خاف ضياعه حتى على مرضي الشارح فيمن أخذ ماله إلخ لأنه خائف هنا كما مر قال ع ش قوله م ر إذا خاف ضياعه إلخ استشكل هذا بأنه لم يخف فوت ما هو حاصل وهذا النوع إنما يجوز لذلك واعتذر م ر عن هذا الإشكال بأن المراد ما يشمل ما كان حاصلا ويرد بالاشتغال بإنقاذ نحو الغريق فإنهم جعلوه كالحج مع أن فيه تحصيل ما كان حاصلا وأوردت عليه م ر ذلك فحاول التخلص بأنه لم يكن حاصلا له وأنه ينبغي كون المراد بالحاصل ما كان حاصلا له وما في معناه ا هـ فليراجع فإن فيه نظرا وقضيته الجواز إذا كان الغريق عبده مثلا فليحرر سم على المنهج وقول م ر ويلزمه فعلها ثانيا إلخ أي في حال تلطخه بالنجاسة فقط ا هـ مؤلف م ر ويحتمل الإعادة مطلقا لأن هذا نادر وهو الأقرب وإذا أدركه فليس له العود إلى محله الأول ولو كان إماما فيما يظهر ويوجه بأن العمل الكثير إنما اغتفر في سعيه لتخليص متاعه لأنه ملحق بشدة الحرب ، والحاجة هنا قد انقضت باستيلائه على متاعه فلا وجه للعود ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وإذا امتنع ) إلى قوله قيل في النهاية والمغني ( قوله : لزمه إلخ ) ظاهره وإن تعمد ترك الذهاب لعرفة إلى أن ضاق الوقت سم ( قوله : إخراج العشاء إلخ ) عبارة النهاية تأخير الصلاة والمراد بتأخيرها تركها بالكلية وليس للعازم على الإحرام التأخير ا هـ قال [ ص: 17 ] ع ش قوله م ر تأخير الصلاة أي وإن تعددت وينبغي أن لا يجب قضاؤها فورا للعذر في فواتها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قيل العمرة المنذورة إلخ ) نقله النهاية عن إفتاء والده وأقره لكن أقر الشوبري مقالة الشارح وكذا مال إليه ع ش كما يأتي ( قوله : كالحج في هذا ) أي يجب عليه تقديم العمرة على الصلاة كما يقدم وقوف عرفة عليها نهاية ( قوله : والعمرة لا تفوت إلخ ) قد يقال بل تفوت لأن المعين بالجعل كالمعين بالشرع نعم يرد على ما قاله الشارح أي الرملي أنه إنما امتنعت الصلاة عند خوف فوت الحج لما في قضائه من المشقة وهو منتف في العمرة بتقدير فوتها ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وفي الجيلي إلخ ) اعتمده النهاية والمغني ( قوله : لو ضاق الوقت إلخ ) أي وقت الصلاة وتوهم بعض الطلبة أن قياس ذلك لو أحرم أنه لابس ثوب حرير وجب عليه قطع الصلاة والوجه أن يقال : إن لم يكن عنده إلا ذلك الثوب من الحرير وجب استمرار لبسه وامتنع الخروج من الصلاة لأن من فقد غير الحرير وجب عليه الاستتار به في الصلاة وإن كان عنده غيره مما يجوز لبسه ، فإن أمكنه نزع الحرير ولبس ما يجوز من غير أن يمضي زمن تبدو فيه عورته وجب عليه ذلك وامتنع قطع الصلاة ، وإن لم يمكنه ذلك إلا مع مضي ذلك الزمن فيحتمل وجوب الاستمرار إلى فراغ الصلاة ويحتمل وجوب نزعه والخروج منها ، ولو أحرم في ثوب مغصوب ، فإن لم يتمكن من غيره وجب نزعه والاستمرار في الصلاة ، وإن تمكن منه ومن نزع المغصوب ولبس غيره بلا زمن تبدو فيه العورة وجب وإلا فيحتمل وجوب النزع وقطع الصلاة فليحرر سم

                                                                                                                              وقوله : فيحتمل وجوب الاستمرار إلخ لعله هو الأقرب ( قوله : أحرم ماشيا ) أي وجوبا وظاهره أنه يفعلها بالإيماء في هذه الحالة ولا يكلف عدم إطالة القراءة وهو ظاهر وفي سم على المنهج قال الأذرعي وينبغي وجوب الإعادة لتقصيره انتهى واعتمده م ر انتهى ا هـ ع ش وعبارة سم هنا قال في شرح العباب ، وإنما يتجه أي ما قاله الأذرعي إن كان خارجا غير تائب أو تائبا وقلنا : إنه مرتبك في المعصية وإلا فالوجه عدم القضاء على أن الوجه أنه لا يجوز له هذه الصلاة إلا إن خرج تائبا ؛ لأن خوفه من الإثم كخوفه من السبع انتهى ا هـ سم ( قوله : لما تقرر إلخ ) يتأمل سم لعل وجه التأمل ما قدمه آنفا عن الإيعاب من أن خوفه من الإثم كخوفه من السبع ولعل ملحظ الشارح أنه محصل للتوبة المتوقفة على الخروج ( قوله : يلزمه الترك ) أي ترك الصلاة بالكلية ولو تعددت ( قوله : بل أولى ) أي الترك لتخليص ماله ( وقوله : ومن ثم ) أي من أجل أولوية الترك للتخليص ( قوله : يقصده ) لعل المراد يقصد إتلافه أخذا مما بعده ( قوله : منه ) أي من الظالم ( قوله : أو يغرق ) عطف على قوله يقصده .

                                                                                                                              ( قوله : لزمه تخليصه إلخ ) قد يتجه هنا جواز صلاة شدة الخوف ؛ لأنه خائف فوت ما هو حاصل إلا أن يكون الفرض أنه لو فعلها كشدة الخوف فات التخليص فيتجه ما ذكر م ر ا هـ سم ( قوله : وتأخيرها ) أي إن كان قبل الإحرام بها .

                                                                                                                              ( قوله : أو مالا ) أي محترما يقصده ظالم أو يغرق [ ص: 18 ] قوله : جاز ذلك ) ظاهره عدم الوجوب وإن كان ذلك المال نحو وديعة أو مال يتيم تحت يده أو وقف ، وفيه وقفة سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية