الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين

                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا يريد بالأكل الأخذ ، والربا زيادة القدر مقابلة لزيادة الأجل ، وهو ربا الجاهلية المتعارف بينهم بالنساء. أضعافا مضاعفة وهو أن يقول له بعد حلول الأجل: إما أن تقضي وإما [ ص: 424 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أن تربي ، فإن لم يفعله ضاعف ذلك عليه ثم يفعل كذلك عند حلوله من بعد حتى تصير أضعافا مضاعفة. واتقوا النار التي أعدت للكافرين فدل أن الربا من الكبائر التي يستحق عليها الوعيد بالنار. واختلفوا في نار آكل الربا على قولين: أحدهما: أنها كنار الكافرين من غير فرق تمسكا بالظاهر. والثاني: أنها ونار الفجار أخف من نار الكفار ، لما بينهما من تفاوت المعاصي. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم أما الفاحشة ههنا ففيها قولان: أحدهما: الكبائر من المعاصي. والثاني: الربا وهو قول جابر والسدي . أو ظلموا أنفسهم قيل: المراد به الصغائر من المعاصي. ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم فيه قولان: أحدهما: أنهم ذكروه بقلوبهم فلم ينسوه ، ليعينهم ذكره على التوبة والاستغفار. والثاني: ذكروا الله قولا بأن قالوا: اللهم اغفر لنا ذنوبنا ، فإن الله قد سهل على هذه الأمة ما شدد على بني إسرائيل ، إذ كانوا إذا أذنب الواحد منهم أصبح مكتوبا على بابه من كفارة ذنبه: اجدع أنفك ، اجدع أذنك ونحو ذلك ، فجعل الاستغفار ، وهذا قول ابن مسعود وعطاء بن أبي رباح. ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا فيه أربعة تأويلات: أحدها: أنه الإصرار على المعاصي ، وهو قول قتادة. والثاني: أنه مواقعة المعصية إذا هم بها ، وهو قول الحسن . والثالث: السكوت على المعصية وترك الاستغفار منها ، وهو قول السدي. [ ص: 425 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والرابع: أنه الذنب من غير توبة. وهم يعلمون أنهم قد أتوا معصية ولا ينسونها ، وقيل: معناه وهم يعلمون الجهة في أنها معصية.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية