الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين

                                                                                                                                                                                                                                        فبما رحمة من الله لنت لهم يعني فبرحمة من الله ، و ما صلة دخلت لحسن النظم. [ ص: 433 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك الفظ: الجافي ، والغليظ القلب: القاسي ، وجمع بين الصفتين ، وإن كان معناهما واحدا للتأكيد. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر وفي أمره بالمشاورة أربعة أقاويل: أحدها: أنه أمره بمشاورتهم في الحرب ليستقر له الرأي الصحيح فيه ، قال الحسن: ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم. والثاني: أنه أمره بمشاورتهم تأليفا لهم وتطيبا لأنفسهم ، وهذا قول قتادة ، والربيع. والثالث: أنه أمره بمشاورتهم لما علم فيها من الفضل ، ولتتأسى أمته بذلك بعده صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول الضحاك. والرابع: أنه أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون ويتبعه فيها المؤمنون وإن كان عن مشورتهم غنيا ، وهذا قول سفيان. وما كان لنبي أن يغل قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو بفتح الياء وضم العين ، وقرأ الباقون (يغل) بضم الياء وفتح الغين. ففي تأويل من قرأ بفتح الياء وضم الغين ثلاثة أقاويل: أحدها: أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس: أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهذا قول عكرمة ، وسعيد بن جبير . والثاني: أنها نزلت في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم في وجه ، ثم غنم الرسول فلم يقسم للطلائع فأنزل الله تعالى: وما كان لنبي أن يغل أي يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسم ، وهذا قول ابن عباس ، والضحاك. والثالث: أن معناه وما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله إليهم لرهبة منه ولا رغبة فيهم ، وهذا قول ابن إسحاق. وأما قراءة من قرأ (يغل) بضم الياء وفتح الغين ففيها قولان: أحدهما: يعني: وما كان لنبي أن يتهمه أصحابه ويخونوه. [ ص: 434 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني: معناه: وما كان لنبي أن يغل أصحابه ويخونهم ، وهذا قول الحسن ، وقتادة .وأصل الغلول الغلل وهو دخول الماء في خلال الشجر ، فسميت الخيانة غلولا لأنها تجري في المال على خفاء كجري الماء ، ومنه الغل الحقد لأنه العداوة تجري في النفس مجرى الغلل. لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم وفي وجه المنة بذلك ثلاثة أقاويل: أحدها: ليكون ذلك شرفا لهم. والثاني: ليسهل عليهم تعلم الحكمة منه لأنه بلسانهم. والثالث: ليظهر لهم علم أحواله من الصدق والأمانة والعفة والطهارة. يتلو عليهم آياته ويزكيهم فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه يشهد لهم بأنهم أزكياء في الدين. والثاني: أن يدعوهم إلى ما يكونون به أزكياء. والثالث: أنه يأخذ منهم الزكاة التي يطهرهم بها ، وهو قول الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية