الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين [ ص: 99 ] خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو فيه وجهان: أحدهما: معناه إن ألحق الله بك ضرا ، لأن المس لا يجوز على الله. والثاني: معناه وإن جعل الضر يمسك. وكذلك قوله: وإن يمسسك بخير وفي الضر والخير وجهان: أحدهما: أن الضر السقم ، والخير العافية. والثاني: أن الضر الفقر ، والخير الغنى. قوله عز وجل: وهو القاهر فوق عباده فيه قولان: أحدهما: أن معناه القاهر لعباده ، وفوق صلة زائدة. والثاني: أنه بقهره لعباده مستعل عليهم ، فكان قوله فوق مستعملا على حقيقته كقوله تعالى: يد الله فوق أيديهم [الفتح: 10] لأنها أعلى قوة. ويحتمل ثالثا: وهو القاهر فوق قهر عباده ، لأن قهره فوق كل قهر. وفي هذا القهر وجهان: أحدهما: أنه إيجاد المعدوم. [ ص: 100 ] والثاني: أنه لا راد لأقداره ولا صاد عن اختياره. قوله عز وجل: قل أي شيء أكبر شهادة الآية ، في سبب [نزول] ذلك قولان: أحدهما: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشهد لك بالنبوة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يأمره فيها أن يقول لهم: أي شيء أكبر شهادة ، ثم أجابه عن ذلك فقال: قل الله شهيد بيني وبينكم يعني: بصدقي وصحة نبوتي وهي أكبر الشهادات ، قاله الحسن . والثاني: أن الله تعالى أمره أن يشهد عليهم بتبليغ الرسالة إليهم فقال ذلك ليشهده عليهم. لأنذركم به ومن بلغ فيه وجهان: أحدهما: لأنذركم [يا] أهل مكة ومن بلغه القرآن من غير أهل مكة . والثاني: لأنذركم به: [أيها] العرب ومن بلغ من العجم. قوله عز وجل: الذين آتيناهم الكتاب فيه قولان: أحدهما: أنه التوراة والإنجيل ، قاله الحسن ، وقتادة ، والسدي ، وابن جريج . والثاني: أنه القرآن. يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فيه قولان: أحدهما: يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ، لأن صفته موجودة في كتابهم ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومن زعم أن الكتاب هو التوراة والإنجيل. [ ص: 101 ] والثاني: يعرفون الكتاب الدال على صفته ، وصدقه ، وصحة نبوته ، وهذا قول من زعم أن الكتاب هو القرآن. وعنى بقوله: كما يعرفون أبناءهم تثبيتا لصحة المعرفة. وحكى الكلبي والفراء : أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام حين أسلم: ما هذه المعرفة التي تعرفون بها محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرفون أبناءكم؟ قال: والله لأنا به إذا رأيته أعرف مني بابني وهو يلعب مع الصبيان ، لأني لا أشك أنه محمد ، وأشهد أنه حق ، ولست أدري ما صنع النساء في الابن. الذين خسروا أنفسهم فيه تأويلان: أحدهما: أنهم خسروا بالكفر منازلهم وأزواجهم في الجنة ، لأنه ليس أحد من مؤمن ولا كافر إلا وله منازل وأزواج ، فإن أسلموا كانت لهم ، وإن كفروا كانت لمن آمن من أهلهم ، وهو معنى قوله تعالى: الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون [المؤمنون: 11] ، قاله الفراء . والثاني: معناه غبنوها فأهلكوها بالكفر والتكذيب ، ومنه قول الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                        لا يأخذ الرشوة في حكمه ولا يبالي خسر الخاسر

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية