الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض أي: عليكم، ولعل إيثار الإبهام عليه للتفادي عن المواجهة بما يشق عليهم، قال القفال: لما نهاهم الله تعالى عن أكل أموال الناس بالباطل وقتل الأنفس عقبه بالنهي عما يؤدي إليه من الطمع في أموالهم وتمنيها. وقيل: نهاهم أولا عن التعرض لأموالهم بالجوارح ثم عن التعرض لها بالقلب على سبيل الحسد لتطهير أعمالهم الظاهرة والباطنة فالمعنى: لا تتمنوا ما أعطاه الله تعالى بعضكم من الأمور الدنيوية كالجاه والمال وغير ذلك مما يجري فيه التنافس دونكم فإن ذلك قسمة من الله تعالى صادرة عن تدبير لائق بأحوال العباد مترتب على الإحاطة بجلائل شئونهم ودقائقها فعلى كل أحد من المفضل عليهم أن يرضى بما قسم الله له ولا يتمنى حظ المفضل ولا يحسده عليه لما أنه معارضة لحكم القدر المؤسس على [ ص: 172 ] الحكم البالغة لا لأن عدمه خير له و لا لأنه لو كان خلافه لكان مفسدة له كما قيل; إذ لا يساعده ما سيأتي من الأمر بالسؤال من فضله تعالى فإنه ناطق بأن المنهي عنه تمني نصيب الغير لا تمني ما زاد على نصيبه مطلقا هذا وقد قيل: لما جعل الله تعالى في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، قالت النساء: نحن أحوج أن يكون لنا سهمان وللرجال سهم واحد لأنا ضعفاء وهم أقوياء وأقدر على طلب المعاش منا فنزلت، وهذا هو الأنسب بتعليل النهى بقوله عز وجل: للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن فإنه صريح في جريان التمني بين فريقي الرجال والنساء، ولعل صيغة المذكر في النهى لما عبر عنهن بالبعض والمعنى: لكل من الفريقين في الميراث نصيب معين المقدار مما أصابه بحسب استعداده وقد عبر عنه بالاكتساب على طريقة الاستعارة التبعية المبنية على تشبيه اقتضاء حاله لنصيبه باكتسابه إياه تأكيدا لاستحقاق كل منهما لنصيبه وتقوية لاختصاصه به بحيث لا يتخطاه إلى غيره فإن ذلك مما يوجبه الانتهاء عن التمني المذكور. وقوله تعالى: واسألوا الله من فضله عطف على النهي وتوسيط التعليل بينهما لتقرير الانتهاء مع ما فيه من الترغيب في الامتثال بالأمر كأنه قيل: لا تتمنوا ما يختص بغيركم من نصيبه المكتسب له واسألوا الله تعالى من خزائن نعمه التي لا نفاد لها وحذف المفعول الثاني للتعميم، أي: واسألوه ما تريدون فإنه تعالى يعطيكموه أو لكونه معلوما من السياق، أي: واسألوه مثله. وقيل: "من" زائدة والتقدير: واسألوه فضله، وقد جاء في الحديث "لا يتمنين أحدكم مال أخيه ولكن ليقل اللهم ارزقني اللهم أعطني مثله"، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج" وحمل النصيب على الأجر الأخروي وإبقاء الاكتساب على حقيقته بجعل سبب النزول ما روي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ليت الله كتب علينا الجهاد كما كتبه على الرجال فيكون لنا من الأجر مثل ما لهم على أن المعنى لكل من الفريقين نصيب خاص به من الأجر مترتب على عمله فللرجال أجر بمقابلة ما يليق بهم من الأعمال كالجهاد ونحوه وللنساء أجر بمقابلة ما يليق بهن من الأعمال كحفظ حقوق الأزواج ونحوه، فلا تتمنى النساء خصوصية أجر الرجال وليسألن من خزائن رحمته تعالى ما يليق بحالهن من الأجر لا يساعده سياق النظم الكريم المتعلق بالمواريث وفضائل الرجال. إن الله كان بكل شيء عليما ولذلك جعل الناس على طبقات ورفع بعضهم على بعض درجات حسب مراتب استعداداتهم الفائضة عليهم بموجب المشيئة المبنية على الحكم الأبية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية