الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1418 ] خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم (200) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون (202) وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (203)

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون
                                                                                                                                                                                                                                      (204) واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين (205) إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون (206)

                                                                                                                                                                                                                                      تجيء هذه التوجيهات الربانية في نهاية السورة، من الله سبحانه إلى أوليائه.. رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه.. وهم بعد في مكة وفي مواجهة تلك الجاهلية من حولهم في الجزيرة العربية وفي الأرض كافة.. هذه التوجيهات الربانية في مواجهة تلك الجاهلية الفاحشة، وفي مواجهة هذه البشرية الضالة، تدعو صاحب الدعوة - صلى الله عليه وسلم - إلى السماحة واليسر، والأمر بالواضح من الخير الذي تعرفه فطرة البشر في بساطتها، بغير تعقيد ولا تشديد. والإعراض عن الجاهلية فلا يؤاخذهم، ولا يجادلهم، ولا يحفلهم.. فإذا تجاوزوا الحد وأثاروا غضبه بالعناد والصد، ونفخ الشيطان في هذا الغضب، فليستعذ بالله ليهدأ ويطمئن ويصبر: خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين. وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم. إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ..

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يعرفه بطبيعة أولئك الجاهلين والوسوسة التي وراءهم والتي تمدهم في الغي والضلال. ويذكر طرفا من سلوكهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلبهم الخوارق ليوجهه إلى ما يقول لهم، ليعرفهم بطبيعة الرسالة وحقيقة الرسول، وليصحح لهم تصوراتهم عنها وعنه وعن علاقته بربه الكريم: وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون. وإذا لم تأتهم بآية قالوا: لولا اجتبيتها! قل: إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي. هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ..

                                                                                                                                                                                                                                      وبمناسبة هذه الإشارة إلى ما أوحاه إليه ربه من القرآن، يجيء توجيه المؤمنين إلى أدب الاستماع لهذا القرآن وأدب ذكر الله مع التنبيه إلى مداومة هذا الذكر، وعدم الغفلة عنه. فإن الملائكة الذين لا يخطئون يذكرون ويسبحون ويسجدون، فما أولى البشر الخطائين أن لا يغفلوا عن الذكر والتسبيح والسجود: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين. إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية