الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب حق الزوج على المرأة .. وحق المرأة على الزوج

قال الله (تعالى): ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ؛ قال أبو بكر - رحمه الله -: أخبر الله (تعالى) في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا؛ وأن الزوج مختص بحق له عليها؛ ليس لها عليه مثله؛ بقوله (تعالى): وللرجال عليهن درجة ؛ ولم يبين في هذه الآية ما لكل واحد منهما على صاحبه من الحق مفسرا؛ وقد بينه في غيرها؛ وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فمما بينه الله (تعالى)؛ من حق المرأة عليه؛ قوله (تعالى): وعاشروهن بالمعروف ؛ وقوله (تعالى): فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ؛ وقال (تعالى): وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ؛ وقال (تعالى): الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ؛ وكانت هذه النفقة من حقوقها عليه؛ وقال (تعالى): وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ؛ فجعل من حقها عليه أن يوفيها صداقها؛ وقال (تعالى): وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ؛ فجعل من حقها عليه ألا يأخذ مما أعطاها شيئا؛ إذا أراد فراقها؛ وكان النشوز من قبله; لأن ذكر الاستبدال يدل على ذلك؛ وقال (تعالى): ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ؛ فجعل من حقها عليه ترك إظهار الميل إلى غيرها؛ وقد دل ذلك على أن من حقها القسم بينها وبين سائر نسائه; لأن فيه ترك إظهار الميل إلى غيرها؛. ويدل عليه أن عليه وطأها؛ بقوله (تعالى): فتذروها كالمعلقة ؛ يعني: لا فارغة فتتزوج؛ ولا ذات زوج؛ إذ لم يوفها حقها من الوطء؛ ومن حقها ألا يمسكها ضرارا؛ على ما تقدم من بيانه.

وقوله (تعالى): فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ؛ إذا كان خطابا للزوج فهو يدل على أن من حقها؛ إذا لم يمل إليها؛ ألا يعضلها عن غيره بترك طلاقها؛ فهذه كلها من حقوق المرأة على الزوج؛ وقد انتظمت هذه الآيات إثباتها لها.

ومما بين الله (تعالى) من حق الزوج على المرأة قوله (تعالى): فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ؛ فقيل فيه: حفظ مائه في رحمها؛ ولا تحتال في إسقاطه؛ ويحتمل حفظ فراشها عليه؛ ويحتمل: حافظات لما في بيوتهن من مال أزواجهن؛ ولأنفسهن؛ وجائز أن يكون المراد جميع ذلك؛ لاحتمال اللفظ له؛ وقال (تعالى): الرجال قوامون على النساء ؛ قد أفاد ذلك لزومها طاعته؛ لأن وصفه بالقيام عليها يقتضي ذلك؛ وقال (تعالى): واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن [ ص: 69 ] واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ؛ يدل على أن عليها طاعته في نفسها؛ وترك النشوز عليه.

وقد روي في حق الزوج على المرأة؛ وحق المرأة عليه ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبار؛ بعضها مواطئ لما دل عليه الكتاب؛ وبعضها زائد عليه؛ من ذلك ما حدثنا محمد بن بكر البصري؛ قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي؛ وغيره؛ قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد؛ عن أبيه؛ عن جابر بن عبد الله ؛ قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات؛ فقال: اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله؛ واستحللتم فروجهن بكلمة الله؛ وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه؛ فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح؛ ولهن عليكم رزقهن؛ وكسوتهن بالمعروف .

وروى ليث عن عبد الملك ؛ عن عطاء ؛ عن ابن عمر قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله؛ ما حق الزوج على الزوجة؟ فذكر فيها أشياء: "لا تصدق بشيء من بيته إلا بإذنه؛ فإن فعلت كان له الأجر؛ وعليها الوزر"؛ فقالت: يا رسول الله؛ ما حق الزوج على زوجته؟ قال: "لا تخرج من بيته إلا بإذنه؛ ولا تصوم يوما إلا بإذنه".

وروى مسعر عن سعيد المقبري ؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك؛ وإذا أمرتها أطاعتك؛ وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها؛ ثم قرأ: الرجال قوامون على النساء ؛ الآية .

قال أبو بكر : ومن الناس من يحتج بهذه الآية في إيجاب التفريق؛ إذا أعسر الزوج بنفقتها; لأن الله (تعالى) جعل لهن من الحق عليها مثل الذي عليهن؛ فسوى بينهما؛ فغير جائز أن يستبيح بضعها من غير نفقة ينفقها عليها؛ وهذا غلط من وجوه؛ أحدها أن النفقة ليست بدلا عن البضع؛ فيفرق بينهما؛ ويستحق البضع عليها من أجلها; لأنه قد ملك البضع بعقد النكاح؛ وبدله هو المهر؛ والوجه الثاني أنها لو كانت بدلا لما استحقت التفريق بالآية; لأنه عقب ذلك بقوله (تعالى): وللرجال عليهن درجة ؛ فاقتضى ذلك تفضيله عليها فيما يتعلق بينهما من حقوق النكاح؛ وأن يستبيح بضعها؛ وإن لم يقدر على نفقتها؛ وأيضا فإن كانت النفقة مستحقة عليها بتسليمها نفسها في بيته فقد أوجبنا لها عليه مثل ما أبحنا منها له؛ وهو فرض النفقة؛ وإثباتها في ذمته لها؛ فلم تخل في هذه الحال من إيجاب الحق لها؛ كما أوجبناه له عليها؛ ومما تضمنه قوله (تعالى): ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ؛ من الدلالة على الأحكام؛ إيجاب مهر المثل؛ إذا لم يسم لها مهرا; لأنه قد ملك عليها بضعها بالعقد؛ واستحق عليها تسليم نفسها إليه؛ فعليه [ ص: 70 ] لها مثل ملكه عليها؛ ومثل البضع هو قيمته؛ وهي مهر المثل؛ كقوله (تعالى): فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ؛ فقد عقل به وجوب قيمة ما يستملكه عليه؛ بما لا مثل له من جنسه؛ وكذلك مثل البضع هو مهر المثل.

وقوله (تعالى): بالمعروف يدل على أن الواجب من ذلك ما لا شطط فيه؛ ولا تقصير؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - في المتوفى عنها زوجها؛ ولم يسم لها مهرا؛ ولم يدخل بها: "لها مهر مثل نسائها؛ ولا وكس؛ ولا شطط"؛ وقوله: "أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل؛ فإن دخل بها فلها مهر مثل نسائها؛ ولا وكس؛ ولا شطط"؛ فهذا هو المعنى المعروف المذكور في الآية؛ وقد دلت الآية أيضا على أنه لو تزوجها على أنه لا مهر لها؛ فإن المهر واجب لها؛ إذ لم تفرق بين من شرط نفي المهر في النكاح؛ وبين من لم يشرط في إيجابه لها مثل الذي عليها.

وقوله: وللرجال عليهن درجة ؛ قال أبو بكر : مما فضل به الرجل على المرأة ما ذكره الله (تعالى) من قوله (تعالى): الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ؛ فأخبر بأنه مفضل عليها بأن جعل قيما عليها.

وقال (تعالى): وبما أنفقوا من أموالهم ؛ فهذا أيضا مما يستحق به التفضيل عليها؛ ومما فضل به عليها ما ألزمها الله من طاعته؛ بقوله (تعالى): فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ؛ ومن درجات التفضيل ما أباحه للزوج من ضربها عند النشوز؛ وهجران فراشها؛ ومن وجوه التفضيل عليها ما ملك الرجل من فراقها بالطلاق؛ ولم تملكه؛ ومنها أنه جعل له أن يتزوج عليها ثلاثا سواها؛ ولم يجعل لها أن تتزوج غيره؛ ما دامت في حباله؛ أو في عدة منه؛ ومنها زيادة الميراث على قسمها؛ ومنها أن عليها أن تنتقل إلى حيث يريد الزوج؛ وليس على الزوج اتباعها في النقلة؛ والسكنى؛ وأنه ليس لها أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضروب أخر من التفضيل؛ سوى ما ذكرنا؛ منها حديث إسماعيل بن عبد الملك ؛ عن أبي الزبير ؛ عن جابر ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر؛ ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن"؛ وحديث خلف بن خليفة؛ عن حفص؛ ابن أخي أنس ؛ عن أنس ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر؛ ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها؛ والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة بالقيح والصديد؛ ثم لحسته لما أدت حقه .

وروى الأعمش ؛ عن أبي حازم؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه؛ فأبت؛ فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة [ ص: 71 ] حتى تصبح .

وفي حديث حصين بن محصن؛ عن عمة له؛ أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أذات زوج أنت؟"؛ فقالت: نعم؛ قال: "فأين أنت منه؟"؛ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه؛ قال: "فانظري أين أنت منه؛ فإنما هو جنتك؛ أو نارك".

وروى سفيان ؛ عن أبي زياد ؛ عن الأعرج ؛ عن أبي هريرة ؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصوم المرأة يوما وزوجها شاهد؛ من غير رمضان؛ إلا بإذنه".

وحديث الأعمش ؛ عن أبي صالح ؛ عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء أن يصمن إلا بإذن أزواجهن.

فهذه الأخبار؛ مع ما تضمنته دلالة الكتاب؛ توجب تفضيل الزوج على المرأة في الحقوق التي يقتضيها عقد النكاح؛ وقد ذكر في قوله ( تعالى): والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ؛ نسخ في مواضع؛ أحدها ما رواه مطرف ؛ عن أبي عثمان النهدي ؛ عن أبي بن كعب قال: لما نزلت عدة النساء في الطلاق؛ والمتوفى عنها زوجها؛ قلنا: يا رسول الله; قد بقي نساء لم تنزل عدتهن بعد؛ الصغار؛ والكبار؛ والحبلى؛ فنزلت: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ؛ إلى قوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ؛ وروى عبد الوهاب؛ عن سعيد ؛ عن قتادة قال: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ؛ فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض؛ ثم نسخ منها التي لم يدخل بها في العدة؛ ونسخ من الثلاثة القروء امرأتان: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ؛ فهذه العجوز؛ التي لا تحيض؛ واللائي لم يحضن ؛ فهذه البكر؛ عدتها ثلاثة أشهر؛ وليس الحيض من أمرها في شيء؛ ونسخ من الثلاثة القروء الحامل؛ فقال: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ؛ فهذه أيضا ليست من القروء في شيء؛ إنما أجلها أن تضع حملها.

قال أبو بكر : أما حديث أبي بن كعب فلا دلالة فيه على نسخ شيء؛ وإنما أكثر ما فيه أنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عدة الصغيرة؛ والآيسة؛ والحبلى ؛ فهذا يدل على أنهم علموا خصوص الآية؛ وأن الحبلى لم تدخل فيها؛ مع جواز أن تكون مرادة بها؛ وكذلك الصغيرة; لأنه كان جائزا أن يشترط ثلاثة قروء بعد بلوغها؛ وإن طلقت وهي صغيرة؛ وأما الآيسة فقد عقل من الآية أنها لم ترد بها; لأن الآيسة هي التي لا يرجى لها حيض؛ فلا جائز أن يتناولها مراد الآية بحال؛ وأما حديث قتادة ؛ فإنه ذكر أن الآية كانت عامة في اقتضائها إيجاب العدة بالأقراء في المدخول بها؛ وغير المدخول بها؛ وأنه نسخ منها غير المدخول بها؛ وهذا ممكن أن يكون كما قال.

وأما قوله: ونسخ عن الثلاثة القروء امرأتان؛ وهما الآيسة؛ والصغيرة؛ فإنه أطلق لفظ النسخ في الآية؛ وأراد به التخصيص؛ وكثيرا ما يوجد [ ص: 72 ] عن ابن عباس ؛ وعن غيره؛ من أهل التفسير؛ إطلاق لفظ النسخ؛ ومرادهم التخصيص؛ فإنما أراد قتادة بذكر النسخ في الآيسة التخصيص؛ لا حقيقة النسخ; لأنه غير جائز ورود النسخ إلا فيما قد استقر حكمه؛ وثبت؛ وغير جائز أن تكون الآيسة مرادة بعدة الأقراء؛ مع استحالة وجودها منها؛ فدل على أنه أراد التخصيص؛ وقد يحتمل وجها؛ على بعد؛ عندنا؛ وهو أن يكون مذهب قتادة أن التي ارتفع حيضها؛ وإن كانت شابة؛ تسمى آيسة؛ وأن عدتها مع ذلك الأقراء؛ وإن طالت المدة فيها.

وقد روي عن عمر أن التي ارتفع حيضها من الآيسات؛ تكون عدتها عدة الآيسة؛ وإن كانت شابة؛ وهو مذهب مالك ؛ فإن كان إلى هذا ذهب؛ في معنى الآيسة؛ فهذه جائز أن تكون مرادة بالأقراء; لأنها يرجى وجودها منها.

وأما قوله: ونسخ من الثلاثة القروء الحامل؛ فإن هذا أيضا جائز؛ سائغ; لأنه لا يمتنع ورود العبارة بأن عدة الحامل ثلاث حيض؛ بعد وضع الحمل؛ وإن كانت ممن لا تحيض؛ وهي حامل؛ فجائز أن تكون عدتها ثلاثة قروء؛ بعد وضع الحمل؛ فنسخ بالحمل؛ إلا أن أبي بن كعب قد أخبر أن الحامل لم تكن مرادة بعدة الأقراء؛ وأنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؛ فأخبر بأنه لم تنزل في الحامل؛ والآيسة؛ والصغيرة؛ فأنزل الله ( تعالى) ذلك؛ وليس يجوز إطلاق النسخ على الحقيقة؛ إلا فيما قد علم ثبوت حكمه؛ وورود الحكم الناسخ له متأخرا عنه؛ إلا أن يطلق لفظ النسخ؛ والمراد التخصيص على وجه المجاز؛ فلا يضيق؛ وأولى الأشياء بنا حمله على وجه التخصيص؛ فيكون قوله (تعالى): والمطلقات يتربصن بأنفسهن ؛ لم يرد إلا خاصا في المطلقات ذوات الحيض؛ المدخول بهن؛ وأن الآيسة؛ والصغيرة؛ والحامل؛ لم يردن قط بالآية؛ إذ ليس معنا تاريخ لورود هذه الأحكام؛ ولا علم باستقرار حكمها؛ ثم نسخه بعده؛ فكأن هذه الآيات وردت معا؛ وترتبت أحكامها على ما اقتضاها من استعمالها؛ وبني العام على الخاص منها.

وقد روي عن ابن عباس وجه آخر من النسخ في هذه الآية؛ وهو ما روى الحسين بن الحسن بن عطية؛ عن أبيه عطية؛ عن ابن عباس قال: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ؛ إلى قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ؛ وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته كان أحق بردها؛ وإن طلقها ثلاثا؛ فنسختها هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ؛ إلى قوله: جميلا .

وعن الضحاك بن مزاحم : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ؛ وقال: فعدتهن ثلاثة أشهر ؛ فنسخ؛ واستثنى منها؛ فقال: إذا نكحتم المؤمنات ثم [ ص: 73 ] طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ؛ وروي فيها وجه آخر؛ وهو ما روى مالك عن هشام بن عروة ؛ عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته؛ ثم راجعها قبل أن تنقضي عدتها؛ كان ذلك له؛ وإن طلقها ألف مرة؛ فعمد رجل إلى امرأته؛ فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء العدة راجعها؛ ثم طلقها؛ ثم قال: والله لا آويك إلي؛ ولا تحلين مني أبدا؛ فأنزل الله (تعالى): الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ؛ فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ؛ من كان منهم طلق؛ أو لم يطلق.

وروى شيبان؛ عن قتادة ؛ في قوله (تعالى): وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ؛ قال: في القروء الثلاثة؛ ثم قال: الطلاق مرتان ؛ لكل مرة قرء؛ فنسخت هذه الآية ما كان قبلها؛ فجعل الله حد الطلاق ثلاثا؛ فجعله أحق برجعتها؛ ما لم تطلق ثلاثا.

التالي السابق


الخدمات العلمية