الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قرأ أبو رزين العقيلي ، وأبو عمران الجوني ، وأبو نهيك: تبيض وتسود ، بكسر التاء فيهما . وقرأ الحسن ، والزهري ، وابن محيصن ، وأبو الجوزاء: تبياض وتسواد بألف ، ومدة فيهما . وقرأ أبو الجوزاء ، [ ص: 436 ] وابن يعمر: فأما الذين اسوادت وابياضت ، بألف ومدة . قال الزجاج: أخبر الله بوقت ذلك العذاب ، فقال: يوم تبيض وجوه . قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة ، وتسود وجوه أهل البدعة . وفي الذين اسودت وجوههم ، خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم كل من كفر بالله بعد إيمانه يوم الميثاق ، قاله أبي بن كعب .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنهم الحرورية ، قاله أبو أمامة ، وإسحاق الهمذاني .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: اليهود قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنهم المنافقون ، قاله الحسن . والخامس: أنهم أهل البدع ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (أكفرتم) قال الزجاج: معناه: فيقال لهم: أكفرتم ، فحذف القول لأن في الكلام دليلا عليه ، كقوله تعالى: وإسماعيل ربنا تقبل منا [ البقرة: 127 ] ، أي: ويقولان: ربنا تقبل منا . ومثله: من كل باب سلام عليكم [ الرعد: 25 ، 26 ] والمعنى: يقولون سلام عليكم . والألف لفظها لفظ الاستفهام ، ومعناها التقرير والتوبيخ . فإن قلنا: إنهم جميع الكفار ، فإنهم آمنوا يوم الميثاق ، ثم كفروا ، وإن قلنا: إنهم الحرورية ، وأهل البدع ، فكفرهم بعد إيمانهم: مفارقة الجماعة في الاعتقاد ، وإن قلنا: اليهود ، فإنهم آمنوا بالنبي قبل مبعثه ، ثم كفروا بعد ظهوره ، وإن قلنا: المنافقون ، فإنهم قالوا بألسنتهم ، وأنكروا بقلوبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (فذوقوا العذاب) أصل الذوق إنما يكون بالفم ، وهذا استعارة منه ، فكأنهم جعلوا ما يتعرف ويعرف مذوقا على وجه التشبيه بالذي يعرف عند التطعم ، تقول العرب: قد ذقت من إكرام فلان ما يرغبني في قصده ، يعنون: عرفت ، ويقولون ذق الفرس ، فاعرف ما عنده .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 437 ] قال تميم بن مقبل:


                                                                                                                                                                                                                                      أو كاهتزاز رديني تذاوقه أيدي التجار فزادوا متنه لينا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      وإن الله ذاق حلوم قيس     فلما راء خفتها قلاها



                                                                                                                                                                                                                                      يعنون بالذوق: العلم . وفي كتاب الخليل: كل ما نزل بإنسان من مكروه فقد ذاقه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية