الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 267 ] ( ولا تشترط تسمية المهر هو الصحيح ) لأن النكاح صحيح بدونه ، ولو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا [ ص: 268 ] لأن وجه الدلالة في السكوت لا يختلف ، ثم المخبر إن كان فضوليا يشترط فيه العدد أو العدالة عند أبي حنيفة رحمه الله [ ص: 269 ] خلافا لهما ، ولو كان رسولا لا يشترط إجماعا وله نظائر

التالي السابق


( قوله ولا يشترط تسمية المهر ) أي في كون السكوت رضا ، وقيل يشترط لاختلاف الرغبة باختلاف الصداق قلة وكثرة ، والصحيح الأول ; لأن النكاح صحة بدونه . وصحح في شرح الوافي أن المزوج إن كان الأب أو الجد لا يشترط وإلا اشترط ; لأن الأب لو نزل عن مهر المثل لا يكون إلا لمصلحة تربو عليه ، فإن سمى المهر أقل من مهر المثل لا يكون سكوتها رضا ا هـ .

والأوجه الإطلاق ، وما ذكر من التفصيل ليس بشيء ; لأن ذلك في تزويجه الصغيرة بحكم الجبر ، والكلام في الكبيرة التي وجبت مشاورته لها والأب في ذلك كالأجنبي لا يصدر عن شيء من أمرها إلا برضاها ، غير أن رضاها يثبت بالسكوت عند عدم ما يضعف ظن كونه رضا . ومقتضى النظر أن لا يصح بلا تسمية المهر لها لجواز كونها لا ترضى إلا بالزائد على مهر المثل بكمية خاصة ، فما لم تعلم ثبوتها لا ترضى ، وصحة العقد بلا تسمية هو فيما إذا رضيت بالتفويض وقنعت بمهر المثل بدلالة زائدة على السكوت ، وكون الظاهر من الأب أن لا يتركه إلا لما يربو عليه لا يقتضي رضاها بتركه لتلك المصلحة فقد لا تختار ذلك ، والكلام في البكر الكبيرة ، والمسألة المعروفة فيه من قول أبي حنيفة إنما هو في الصغيرة ، أما الكبيرة فنفاذ تزويج الأب موقوف على رضاها كالوكيل ، غير أن سكوتها جعل دلالة شرعا ، فإذا عارضه ترك التسمية أو تسمية الناقص صار محتملا على السواء لكونه للرضا أو لخوف الرد عليه مع عدمه فلا يثبت الرضا به ، وفي غيره ليس الاحتمال متساويا بل الراجح جنبة الرضا ، فما اكتفى إلا بالمظنون على ما ذكرناه آنفا . وقد يقال : سكوتها إذا لم يسم لها الولي مهرا مع علمها بأنه يعتبر رضا وينفذ العقد عليها تفويض ورضا بمهر المثل وبكل مهر ، لكن يدفع بأن علمها بأن سكوتها رضا مع عدم التسمية بكل مهر هو محل النزاع فلا يلزم علمها . وفي التجنيس في باب ما يكون رضا وإجازة : إذا ذكر الزوج ولم يذكر المهر فسكتت ، إن وهبها يعني إن فوضها ينفذ النكاح ، وإن زوجها بمهر مسمى لا ينفذ ; لأنه إذا وهبها فتمام العقد بالزوج والمرأة عالمة به ، وإذا سمى مهرا فتمامه به أيضا . وهو فرع اشتراط التسمية في كون السكوت رضا ، ويجب كون الجواب في المسألة الأولى مقيدا بما إذا علمت بالتفويض تفريعا على القول الآخر .

( قوله ولو زوجها فبلغها الخبر فهو على ما ذكرنا ) من أنها إن سكتت أو ضحكت بلا استهزاء [ ص: 268 ] أو بكت بغير صوت فهو رضا وإلا فلا ا هـ . وقال ابن مقاتل : لا يكون السكوت بعد العقد رضا ; لأن كونه قبله رضا على خلاف القياس بالنص ، وأما بعده فالحاجة إلى الإجازة والسكوت لا يكون إجازة ; لأنه ليس في معنى المنصوص ، فإن السكوت عند الاستئمار ليس ملزما وبعده إذا بلغها الخبر ملزم فلا يثبت بمجرد السكوت .

وعن أبي يوسف : السكوت بعد العقد رد ذكره في البدائع ، قال : وهو قول محمد ، والأصح الأول ; لأن وجه كون السكوت رضا لا يختلف قبل العقد وبعده ، فكما كان إذنا قبله لدلالته على الرضا وجب أن يكون إجازة بعده لدلالته عليه ، ولا أثر للفرق بكونه ملزما وعدمه على أن الحق أنه ملزم في كل منهما ، غير أنه في تقدم العقد يثبت به اللزوم في الحال وقبله يتوقف على التزويج من المستأذن . فإن قيل يوجه قول ابن مقاتل ورواية أبي يوسف بالنص وهو رواية الأئمة الستة عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال { لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت } فهذا صريح في منع النكاح قبل الاستئذان .

فالجواب أن الاتفاق على أنها لو صرحت بالرضا بعد العقد نطقا جاز النكاح مع أنه متناول ظاهر النهي ، فعلم أن الاتفاق على أن المراد بالنهي المنع عن تنفيذ العقد عليها وإبرامه قبل إذنها ، وإنما الخلاف في أن الإجازة بعد العقد بماذا تكون ، فقلنا : دل النص على كونها بما كان الإذن به قبله ، ولا يعارضه النهي المذكور بعد الاتفاق ، على أن المراد منه ما ذكرنا ، وعلى هذا فرعوا أنه لو استأذنها في معين فردت ثم زوجها منه فسكتت جاز على الأصح ، بخلاف ما لو بلغها فردت ثم قالت رضيت حيث لا يجوز ; لأن العقد بطل بالرد فالرضا بعد ذلك بعقد مفسوخ ، ولذا استحسنوا التجديد عند الزفاف فيما إذا زوج قبل الاستئذان ، إذ غالب حالهن إظهار النفرة عند فجأة السماع . هذا والأوجه عدم الصحة ; لأن ذلك الرد الصريح لا ينزل عن تضعيف كون ذلك السكوت دلالة الرضا ، ولو كانت قالت قد كنت قلت لا أريده ولم تزد على هذا لا يجوز النكاح للإخبار بأنها على امتناعها .

[ فروع ] ولو زوجها وليان مستويان كل من واحد فسكتت ; فعن محمد بطلا كما لو أجازتهما معا وهو القياس ; لأن سكوتها رضا . وظاهر الجواب أنهما يتوقفان حتى تجيز أحدهما بالقول أو بالفعل ، ونقله في البدائع عن محمد فعنه حينئذ روايتان . ولو زوجها من رجل فبلغها فردت ثم قالت في مجلس آخر بعدما قال لها إن أقواما [ ص: 269 ] يخطبونك : أنا راضية بما تفعل فزوجها من الأول لا ينفذ عليها إلا بإجازة مستقبلة ; لأن تقدير كلامه إذا رغبت عن فلان فإن أقواما آخرين يخطبونك فلا ينصرف رضاها الآن إلى ما يعم الأول ، وهذا كمن طلق امرأته ثم قال لرجل إني كرهت فلانة فطلقتها فزوجني بامرأة ترضاها فزوجه المطلقة لا يصح . وكذا إذا باع عبدا ثم وكل رجلا بشراء عبد فاشترى له الأول لا يصح ، ولو زوجها فبلغها فقالت لا أريد النكاح فهو رد على الأصح ، وقولها غيره أحب إلي قبل العقد رد ، وبعده إذن ; لأنه محتمل فلا يجوز قبل النكاح بالشك ولا يبطل بعده بالشك ، كذا في الواقعات . وقولها ذلك إليك إذن ، وقولها أنت أعلم ليس بإذن ; لأنه تعريب قولها أو يقاربه بالفارسية " توبه دان " ولو استأذنها فقالته لا يكون إذنا ; لأنه قد يذكر للتعريض لعدم المصلحة فيه . وحقيقة توبه دان أنت بالمصلحة أخبر أو بالأحسن أعلم ، وهذا اختيار الفقيه أبي الليث ، بخلاف قولها ذلك إليك فإنه إذن ; لأنه إنما يذكر للتوكيل ، ولا يخفى أن مسألة : غيره أحب إلي مشكلة ، ولا يخفى ضعف قوله لا يبطل بعده بالشك ; لأن ذلك إنما يتم بعد الصحة وهي بعد الإذن .

( قوله وله نظائر ) كإخبار الوكيل بالعزل والمأذون بالحجر والمولى بجناية عبده ليكون بيعه وإعتاقه اختيارا للفداء والشفيع يبيع ما يشفع فيه وبفسخ الشركة والمضاربة ووجوب الأحكام على المسلم الذي لم يهاجر في دار الحرب إن كان المخبر رسولا لا يشترط اتفاقا ولو فاسقا أو عبدا ; لأنه قائم مقام المرسل فإخباره كإخباره ، وإن كان فضوليا فعلى الخلاف عنده يشترط في لزوم الحكم العدد أو عدالة الواحد ، فلو أخبر غير المهاجر بحكم شرعي لا يثبت في حقه إلا باثنين أو عدالة الواحد




الخدمات العلمية