الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 118 ] وجرب العقل بالخلوات ، [ ص: 119 ] والسمع بأن يصاح من أماكن مختلفة ، مع سد الصحيحة ، ونسب لسمعه الآخر ، وإلا : [ ص: 120 ] فسمع وسط ، وله نسبته ، إن حلف ، ولم يختلف قوله ، وإلا فهدر والبصر بإغلاق الصحيحة كذلك والشم برائحة حادة ، [ ص: 121 ] والنطق بالكلام اجتهادا ; والذوق بالمقر ، وصدق مدع ذهاب الجميع بيمين

التالي السابق


( و ) إن جنى شخص على آخر فادعى أولياء المجني عليه ذهاب عقله بالجناية وأشكل أمره ( جرب ) بضم فكسر مثقلا ( العقل ) المدعى زواله ( بالخلوات ) بأن يجعل في محل وحده ويتطلع عليه من حيث لا يشعر ، وينظر هل يفعل أفعال العقلاء أو المجانين ، ويكرر التطلع عليه والنظر في أوقات حتى يعلم أمره أو بأن يجعل كذلك ، ويجلس إليه إنسان يتحدث معه مرارا حتى يتبين له أمره ، وإن شك في ذهاب عقله كله أو بعضه حمل على ذهاب جميعه لأن الظالم أحق أن يحمل عليه .

" غ " أشار المصنف لقول الغزالي إذا شككنا في زوال العقل راقبناه ولا نحلفه لئلا يتجان في الخلوات ، ولم يذكره ابن شاس ولا ابن الحاجب ولا ابن عرفة ولا المصنف في التوضيح . ابن عرفة ابن رشد إن نقص بعض عقله ففيه بحسابه . اللخمي تجب بكونه [ ص: 119 ] مطبقا لا يفيق ، وإن ذهب عقله وقتا ففيه من ديته بقدره ، فإن ذهب يوما وليلة من الشهر فله عشر ثلثها ، وإن ذهب منه ليلة دون نهارها أو عكسه فله نصف عشر ثلثها ، وإن ذهب يوما بعد يوم فله نصفها ، وإن كان يذهب من ذلك اليوم ليله دون نهاره أو عكسه فله ربعها ، وإن لازم ولم يذهب جملة ومعه شيء من تمييز فله بقدر ما ذهب فيقوم عبدا سليم العقل ، فإن قوم بمائة فيقوم عبدا لا تمييز عنده ، فإن قوم بعشرين كانت قيمة عقله ثمانين ، ثم يقوم على هذه الصورة من العقل ، فإن قوم بأربعين فعلى الجاني ثلاثة أرباع ديته وابن عبد السلام وابن هارون عادتهما كلام اللخمي ، ولم ينقلاه هنا فلعله لصعوبته ، ثم قال والجاري على أصول المذهب تقويمه سليما ثم يقوم بحالته وبقدر ما بينهما على الجاني من ديته ، فإن كانت قيمته سليما مائة وعلى ما هو عليه أربعين كان على الجاني ثلاثة أخماس ديته .

( و ) يجرب ( السمع ) المدعى زواله بسبب الجناية من إحدى الأذنين ( بأن يصاح ) عليه من مكان بعيد ووجه الصائح لوجهه في وقت سكون الريح ، فإن لم يسمع فيتقرب الصائح منه ويصيح عليه كذلك ، فإن لم يسمع فيتقرب ويصيح ، وهكذا يفعل حتى يسمع فيعلم مكان وقوف الصائح بعلامة ، ثم يجعل المجني عليه وجهه لجهة خلفه ويصيح الصائح له ذلك ، ويعلم موضعه ثم يجعل وجهه لجهة يمينه ، ويصيح عليه ، ويعلم كذلك ثم يجعله شماله ويصاح عليه كذلك ، ثم يقاس ما بين العلامات وموضع المجني عليه .

فإن استوت ( من أماكن مختلفة ) في الجهات الأمام والخلف واليمين والشمال ( مع سد ) الأذن ( الصحيحة ) سدا محكما ثم سدت الأذن المجني عليها وفتحت الصحيحة ويصاح عليه كذلك من أماكن مختلفة ( ونسب ) بضم فكسر سمعه بالمجني عليها ( لسمعه الآخر ) بالصحيحة وحكم على الجاني بمثل تلك النسبة من نصف الدية ( وإلا ) أي وإن لم يكن له سمع آخر بأن ادعى الجناية على سمع أذنيه معا أو كانت إحداهما لا سمع لها أصالة [ ص: 120 ] فسمع وسط ) أي ليس في غاية الحدة ولا في غاية الثقل لشخص مثل المجني عليه سنا ومزاجا .

( وله ) أي المجني عليه ( نسبته ) من دية الأذن أو الأذنين ( إن حلف ) المجني عليه أن ذلك غاية سمعه ( ولم يختلف قوله ) أي المجني عليه في الجهات اختلافا بينا ( وإلا ) أي وإن اختلف قوله فيها اختلافا بينا ( فهدر ) أي لا شيء على الجاني من الدية لتبين كذبه في دعواه ذهاب سمع الأذنين أو إحداهما ( و ) يجرب ( البصر ) المدعى ذهابه من إحدى العينين ( بإغلاق ) العين ( الصحيحة ) وإراءته شيئا نحو بيضة من مكان بعيد والتقرب إليه شيئا فشيئا حتى يبصرها ( كذلك ) أي الفعل في تجربة السمع ثم تغلق المصابة وتفتح الصحيحة ، ويفعل بها كذلك ، وله نسبته إن حلف .

" غ " ، في المدونة إذا أصيبت العين فنقص بصرها أغلقت الصحيحة ثم جعل له بيضة أو شيء في مكان يختبر به منتهى بصره بالسقيمة ، فإذا رآها حولت له إلى موضع آخر ، فإن تساوت الأماكن أو تقاربت قيست الصحيحة ثم أعطي بقدر ما نقصت المصابة من الصحيحة والسمع مثله يختبر بالأمكنة أيضا حتى يعرف صدقه من كذبه ، وإن ادعى المضروب أن جميع سمعه أو بصره ذهب صدق بيمينه والظالم أحق بالحمل عليه ، ويختبر إن قدر على اختباره بما وصفنا . ابن يونس أشهب لو ادعى أنه نقص بصر عينيه جميعا أو أذنيه فإنه يقاس بالبيضة في البصر والصوت في السمع كما وصفنا ، فإذا اتفقت أقواله أو تقاربت قيس ببصر رجل وسط مثله كما تقدم في كتاب محمد في الذي ادعى ذهاب جميع سمعه أو بصره يختبر بالإشارة في البصر والصوت في السمع ، ويفعل مرة بعد مرة ، وفسر أبو الحسن ما في المدونة بأنه يختبر من الجهات الأربع في السمع والبصر .

( و ) يجرب ( الشم ) المدعى ذهابه بالجناية ( برائحة حادة ) بإهمال الحاء والدال [ ص: 121 ] مثقلا ، أي قوية منفرة للطبع لا يصبر من يشمها عادة ولا سيما مع طول الزمن ويعلم شمه بالعطاس ونحوه . أبو حامد في وجيزه يمتحن الشم بالروائح الحادة وعند النقصان يحلف لعسر الامتحان ولم يذكره ابن شاس ولا ابن الحاجب ولا ابن عرفة ولا الموضح

( و ) يجرب ( النطق ) المدعى نقصه بجناية ( بالكلام اجتهادا ) من العارفين لا بقدر نقص الحروف لاختلافها بالخفة والثقل على اللسان ، فإن شك في نقص الربع والثلث مثلا حمل على الأكثر لأن الظالم أحق أن يحمل عليه . ( و ) يجرب ( الذوق ) المدعى ذهابه بجناية ( بالمقر ) بفتح الميم وكسر القاف شديد المرارة كالصبر أو الحرارة كالفلفل الأحمر .

" غ " أبو حامد يجرب الذوق بالأشياء المرة المقرة وتبعه ابن شاس وابن الحاجب الجوهري مقر الشيء بالكسر يمقر مقرا ، أي صار مرا فهو شيء مقر والمقر أيضا الصبر ، وبهذا فسر في التوضيح كلام ابن الحاجب ، وفي بعض النسخ المنفر أي الذي لا يمكن الصبر عليه .

( وصدق ) بضم فكسر مثقلا ( مدعي ذهاب الجميع ) بجناية في جميع ما سبق ، أي مع الاختبار بما سبق كما في المدونة




الخدمات العلمية