الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وكذا مني غير الآدمي ) ونحو الكلب ( في الأصح ) كسائر المستحيلات .

                                                                                                                            أما مني نحو الكلب فنجس بلا خلاف .

                                                                                                                            وأما مني الآدمي فطاهر في الأظهر ، لأنه أصله رجلا أو امرأة أو خنثى ، وغايته أنه خرج من غير طريقه المعتاد وهو لا يؤثر ، فالقول بنجاسته ليس بشيء ، وسواء في الطهارة مني الحي والميت فينجس والمجبوب والممسوح ، فكل من تصور له مني منهم كان كغيره ، وخرج من لا يمكن بلوغه لو خرج منه شيء فإنه يكون نجسا ، لأنه ليس بمني .

                                                                                                                            والأصل في ذلك ما روي { أن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فيه } ، وفي رواية مسلم { فيصلي فيه } .

                                                                                                                            قال بعضهم : وهذا لا يتم الاستدلال به إلا على القول بنجاسة فضلاته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                            وأجيب بصحة الاستدلال به مطلقا ولو قلنا بطهارة فضلاته ، لأن منيه عليه السلام كان من جماع فيخالط مني المرأة فلو كان منيها نجسا لم يكتف فيه بفركه لاختلاطه بمنيه فينجسه ، وقد أوضحت ذلك في شرح العباب ، ومقابل الأصح أنه نجس مطلقا لاستحالته في الباطن ، وقيل بنجاسته من المرأة بناء على نجاسة رطوبة فرجها ، ولو بال الشخص ولم يغسل محله تنجس منيه وإن كان مستجمرا بالأحجار ، وعلى هذا لو جامع رجل من استنجت بالأحجار تنجس منيهما ، [ ص: 244 ] ويحرم عليه ذلك لأنه ينجس ذكره ( قلت : الأصح طهارة مني غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما ، والله أعلم ) لكونه أصل حيوان طاهر كالبيض فأشبه مني الآدمي .

                                                                                                                            ويسن غسل المني للخروج من الخلاف ، ومقابل الأصح طهارته من المأكول ونجاسته من غيره كاللبن والبيض المأخوذ من حيوان طاهر وإن لم يؤكل طاهر ، ومثله المأخوذ من ميتة إن كان متصلبا ، وبزر القز طاهر .

                                                                                                                            ولو استحالت البيضة دما وصلح للتخلق فطاهرة وإلا فلا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وغايته ) أي غاية غاية الخارج من الخنثى ( قوله : بنجاسة ) أي من الخنثى ( قوله : لو خرج منه شيء ) أي على صورة المني ، وفي نسخة بدل " شيء " مني ، وينافيها قوله : ليس بمني ( قوله : ليس بمني ) أي وإن وجدت فيه خواص المني ، لكن قوله بعد كنظيره في المني يقتضي خلافه ، إلا أن يقال ما يأتي مخصوص بما إذا خرج في زمن يمكن كونه فيه منيا ، لكن في قم الجزم بنجاسته حيث خرج في دون التسع ، ووجهه بأن المني إنما حكم بطهارته لكونه منشأ للآدمي وفيما دون التسع لا يصلح لذلك ، وهذا التوجيه مطرد فيما وجدت فيه خواص المني وغيره ( قوله : كان من جماع ) أي لا من احتلام ولا أثر لاحتمال كونه خرج بمرض أو غزارة مني لأنه نادر ( قولة من استنجت بالأحجار ) وكذا [ ص: 244 ] لو كان هو مستجمرا بالحجر فيحرم عليه جماعها ، ويحرم عليها تمكينه ولا تصير بالامتناع ناشزة ، وعليه لو فقد الماء امتنع عليه الجماع ولا يكون فقده عذرا في جوازه .

                                                                                                                            نعم إن خاف الزنا اتجه أنه عذر فيجوز الوطء سواء كان المستجمر بالحجر الرجل أو المرأة .

                                                                                                                            ويجب عليها التمكين فيما إذا كان الرجل مستجمرا بالحجر وهي بالماء ( قوله : ويحرم عليه ) أي وعليها أيضا ( قوله : ويسن غسل المني ) أي مطلقا رطبا كان أو جافا ، ويوافقه قول الشيخ عميرة بعد نقله ما قاله حج عن المحاملي .

                                                                                                                            قلت : لو قيل باستحبابه مطلقا خروجا من الخلاف لم يكن بعيدا ، لكن يعارضه أن محل مراعاة الخلاف ما لم تثبت سنة صحيحة بخلافه ، وقد ثبت فركه يابسا هنا فلا يلتفت لخلافه .

                                                                                                                            وقال حج : ويسن غسله رطبا وفركه يابسا لكن غسله أفضل ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي أن يتأمل معنى استحباب فركه مع كون غسله أفضل ، فإن كون الغسل أفضل يشعر بأن الفرك خلاف الأولى ، فكيف يكون سنة إلا أن يقال إنهما سنتان إحداهما أفضل من الأخرى كما قيل في الإقعاء في الجلوس بين السجدتين إنه سنة والافتراش أفضل منه ، ويؤيد ذلك ما تقدم له : أعني حج عند قول المصنف : ويسن مسح أعلاه وأسفله خطوطا من الاعتراض على من قال : الأولى للمصنف أن يقول : والأكمل مسح أعلاه لأنه لم يثبت فيه سنة بأن الفرق بين العبارتين عجيب ا هـ .

                                                                                                                            فأفاد أن الأكمل والسنة بمعنى ، وظاهر أن الأفضل كالأكمل ولكن في سم على حج ما نصه : قوله : ويسن غسله رطبا إلخ عبارة شرح الإرشاد : ويسن غسله رطبا وفركه يابسا لحديث في مسند أحمد ، ولا نظر لعدم إجزاء الفرك عند المخالف لمعارضته لسنة صحيحة ( قوله : متصلبا ) أي أما الخارج في الحياة والمأخوذ من المذكاة فطاهر وإن لم يتصلب كالعلقة والمضغة ا هـ سم على حج ( قوله : وإلا فلا ) من ذلك البيض الذي يحصل من الحيوان بلا كبس ذكر فإنه إذا صار دما كان نجسا لأنه لا يأتي منه حيوان ا هـ حج بالمعنى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : رجلا أو امرأة إلخ ) تعميم في الآدمي الخارج منه ( قوله : وغايته ) أي مني الخنثى ( قوله : لم يكتف فيه ) أي في منيه ( قوله : ومقابل الأصح أنه نجس مطلقا ) صريح بقرينة ما بعده في أن الضمير في أنه لمطلق المني الشامل لمني الآدمي ، وفيه أمور منها أنه قدم الكلام على مني الآدمي .

                                                                                                                            ومنها أن الخلاف في الآدمي أقوال ، لا أوجه منها أنه لا وجه لجعل خصوص هذا مقابل الأصح مع أن من جملة مقابل الأصح ما سيأتي تصحيحه عند المصنف وما بعده [ ص: 244 ] كما لا وجه لجعل مقابل الأصح الآتي ما ذكره بعده ، وبالجملة فصنيعه . هنا فيه اختلال من وجوه يعلم بمراجعة كلامهم . وعبارة الروضة : وأما المني فمني الآدمي طاهر . وقيل فيه قولان . وقيل القولان في مني المرأة خاصة ، والمذهب الأول ، ثم قال : وأما مني غير الآدمي فمن الكلب ، والخنزير وفرع أحدهما نجس ، ومن غيرهما فيه أوجه أصحها نجس والثاني طاهر والثالث طاهر من مأكول اللحم نجس من غيره كاللبن . قلت : الأصح عند المحققين ، والأكثرين الوجه الثاني والله أعلم انتهت .




                                                                                                                            الخدمات العلمية