الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويثبت ) الزنى ( ببينة ) فصلت بذكر المزني بها [ ص: 430 ] وكيفية الإدخال ومكانه وزمانه ، كأشهد أنه أدخل حشفته أو قدرها حيث فقدها في فرج فلانة بمحل كذا وقت كذا على سبيل الزنا ، والأوجه وجوب التفصيل مطلقا ، ولو من عالم موافق خلافا للزركشي حيث اكتفى بزنى يوجب الحد ; لأنه قد يرى ما لا يراه الحاكم من إهمال بعض الشروط أو بعض كيفيته وقد ينسى بعضها ، وسيأتي في الشهادات أنها أربع لقوله تعالى { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وما ذهب إليه جمع من أنه لو شهد أربعة بزناه بأربع نسوة لكن اقتصر كل منهم على أنه رآه يزني بواحدة منهن حد ; لأنه استفيد من مجموع الشهادات الأربع ثبوت زناه بأربعة قد ينازع فيه بأن كلا شهد بزنا غير ما شهد به الآخر فلم يثبت بهم موجب الحد بل يحد كل منهم ; لأنه قاذف ( أو إقرار ) حقيقي مفصل نظير ما تقرر في الشهادات ولو بإشارة أخرس إن فهمها كل أحد ; لأنه { صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما } ، وخرج بالحقيقي اليمين المردودة بعد نكول الخصم فلا يثبت بها زنا ، نعم يسقط حد القاذف ويكفي الإقرار حال كونه ( مرة ) ولا يشترط تكراره أربعا ; لأنه صلى الله عليه وسلم علق الرجم بمجرد الاعتراف في خبر { واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها } وترديده صلى الله عليه وسلم على ماعز أربعا ; لأنه شك في أمره ولذا قال : { أبك جنون } ؟ ولهذا لم يكرر إقرار الغامدية ، وعلم من كلامه في اللعان ثبوته أيضا عليها بلعانه إن لم تلاعن .

                                                                                                                            ومما يأتي في القضاء أن القاضي لا يحكم فيه بعلمه ، نعم للسيد استيفاؤه من قنه بعلمه لمصلحة تأديبه ( ولو ) ( أقر ) به ( ثم رجع ) عنه قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو رجعت أو كذبت أو ما زنيت وإن قال بعده كذبت في رجوعي أو كنت فاخذت فظننته زنى وإن شهد حاله بكذبه فيما يظهر بخلاف ما أقررت ; لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به ( سقط ) الحد ; لأنه صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع فلولا أنه يفيد لما عرض له به ، بل قالوا له : إنه عند رجمه طلب الرد إليه فلم يسمعوه فقال : {هلا تركتموه لعله يتوب } : أي يرجع ; إذ التوبة لا تسقط الحد هنا فيتوب الله عليه ، ومن ثم سن له الرجوع : وأفهم قوله سقط : [ ص: 431 ] أي عنه بقاء الإقرار بالنسبة لغيره كحد قاذفه فلا يجب برجوعه بل يستصحب حكم إقراره فيه من عدم حده لثبوت عدم إحصانه ، ولو أقر وقامت عليه بينة بالزنى ثم رجع عمل بالبينة لا بالإقرار سواء أتقدمت عليه أم تأخرت خلافا للماوردي في اعتباره أسبقهما ; لأن البينة في حقوق الله أقوى من الإقرار عكس حقوق الآدميين ، وكالزنى في قبول الرجوع عنه كل حد له تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع ، وأفهم كلامه عدم تطرق رجوع عنه عند ثبوته بالبينة وهو كذلك .

                                                                                                                            نعم يتطرق إليه السقوط بغيره كدعوى زوجية أو ملك أمة كما يأتي وظن كونها حليلته ونحو ذلك ، ولوأسلم الذمي بعد ثبوت زناه بالبينة لم يسقط حده ، وما ذكره المصنف في الروضة عن النص من سقوطه مفرع على سقوط الحد بالتوبة والأصح خلافه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بذكر المزني بها ) [ ص: 430 ] بيان للتفصيل

                                                                                                                            ( قوله : على سبيل الزنى ويسوغ له ذلك ) أي بقرينة قوية تدل على أن فعله على وجه الزنى ( قوله : لأنه قد يرى ما لا يراه ) أي إن كان مخالفا له في مذهبه أو كان مجتهدا ، ومنه يعلم أنه لا يتم به الرد على الزركشي ; لأنه إنما اكتفى بعدم التفصيل في الموافق ، نعم قوله وقد ينسى بعضها يرد على الزركشي .

                                                                                                                            [ فرع ] لو شهدوا على إقراره بالزنى فإن قال ما أقررت فلا يقبل ; لأن فيه تكذيبا للشهود بخلاف ما لو أكذب نفسه فإنه يقبل ويكون رجوعا سواء أكان كل ذلك بعد الحكم أو قبله

                                                                                                                            ( قوله : موجب الحد ) بالكسر ( وقوله بل يحد كل منهم ) معتمد

                                                                                                                            ( قوله : نظير ما تقرر في الشهادة ) ومنه أن يقول في وقت كذا في مكان كذا ، ولو قيل لا حاجة إلى تعيين ذلك منه بل يكفي في صحة إقراره أن يقول أدخلت حشفتي في فرج فلانة على وجه الزنا لم يبعد ; لأنه لا يقر إلا عن تحقيق

                                                                                                                            ( قوله : وترديده صلى الله عليه وسلم على ماعز أربعا ) عبارة شرح المنهج : لأنه صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع بقوله : { لعلك قبلت ، لعلك لمست ، أبك جنون } ؟ فلعل تعبير الشارح بالأربع بالنسبة للإقرار الأول

                                                                                                                            ( قوله : أو ما زنيت ) أي فإقراري به كذب فلا تكذيب فيما ذكره للشهود فإنهم إنما شهدوا بالإقرار وهو لم يكذبهم فيه

                                                                                                                            ( قوله : وإن قال بعده ) أي بعد رجوعه

                                                                                                                            ( قوله : بخلاف ما أقررت ) أي فلا يكون رجوعا فلا يسقط به الحد

                                                                                                                            ( قوله : طلب الرد إليه ) أي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولو قال إليك لكان أوضح

                                                                                                                            ( قوله : فلم يسمعوه ) أي لم [ ص: 431 ] يجيبوه لما طلبه

                                                                                                                            ( قوله : كحد قاذفه ) وسيأتي أنه يضمن بالدية إذا قتل فليس قوله بالنسبة لغيره على عمومه

                                                                                                                            ( قوله : فلا يجب برجوعه ) أي فلا يجب حد على قاذفه سواء قذفه قبل الرجوع أو بعده ; لأنه سقطت حصانته بإقراره بالزنى ، وغير المحصن لا يحد قاذفه ( قوله : بالنسبة للقطع ) أي أما المال فيؤخذ منه

                                                                                                                            ( قوله : عدم تطرق الرجوع عنه ) أي ما أقر به ( قوله : بغيره ) أي الرجوع ( قوله : كدعوى زوجية ) أي لمن زنى بها ، وظاهره ولو بالبينة ، وكانت المزني بها متزوجة بغيره ( قوله وظن كونها حليلته ) أي ويصدق في ذلك ( قوله ونحو ذلك ) كدعوى الإكراه

                                                                                                                            ( قوله : بعد ثبوت زناه بالبينة ) وكذا بالإقرار لكن يقبل رجوعه عنه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 430 ] ( قوله : نظير ما تقرر في الشهادات ) لعله بالنسبة لغير نحو المكان والزمان إذ لا يظهر لهما هنا فائدة فليراجع ( قوله : فقال هلا تركتموه إلخ . ) الوجه حذف الفاء من فقال [ ص: 431 ] قوله : وأفهم كلامه عدم تطرق رجوع عنه إلخ . ) انظر ما المراد من هذا




                                                                                                                            الخدمات العلمية