الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها ، إلا أن ينوي الجمع ، أو لمشتغل بشرطها ) . زاد غير واحد " إذا كان ذاكرا لها ، قادرا على فعلها " وهو مراد لمن لم يذكر ذلك . ويجوز تأخير الصلاة عن وقتها لمن ينوي الجمع ، على ما يأتي في بابه ; لأن الوقتين كالوقت الواحد ، لأجل ذلك . وقطع المصنف هنا بجواز التأخير إذا كان مشتغلا بشرطها . وكذا قال في الوجيز ، وابن تميم ، والرعايتين ، والحاويين ، والشرح ، وغيرهم . ولم يذكر الاشتغال بالشرط في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة ، والنهاية له ، وغيرهم . واعلم أن اشتغاله بشرطها على قسمين .

قسم لا يحصل إلا بعد زمن طويل . فهذا لا يجوز تأخيرها لأجل تحصيله جزم به في الفروع . وقسم يحصل بعد زمن قريب فأكثر الأصحاب : يجوزونه ، وقدمه في الفروع [ ص: 399 ] وغيره ، وجزم به المصنف وغيره .

ولم يذكره في المستوعب ، والهداية ، والخلاصة ، والنهاية كما تقدم . وقال الشيخ تقي الدين : وأما قول بعض الأصحاب ( لا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لناوي جمعها ) ، أو لمشتغل بشرطها " فهذا لم يقله أحد قبله من الأصحاب ، بل من سائر طوائف المسلمين ، إلا أن يكون بعض أصحابنا والشافعي . فهذا لا شك فيه ولا ريب أنه ليس على عمومه . وإنما أراد صورا معروفة كما إذا أمكن الواصل إلى البئر أن يضع حبلا يستقي به ، ولا يفرغ إلا بعد الوقت . أو أمكن العريان أن يخيط ثوبا ، ولا يفرغ إلا بعد الوقت ، ونحو هذه الصور . ومع هذا فالذي قاله هو خلاف المذهب المعروف عن أحمد وأصحابه وجماهير العلماء . وما أظن يوافقه إلا بعض أصحاب الشافعي . قال : ويؤيد ما ذكرناه أيضا : أن العريان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية يشتري منها ثوبا ، ولا يصل إلا بعد الوقت : لا يجوز له التأخير بلا نزاع . وكذلك العاجز عن تعلم التكبير والتشهد الأخير ، إذا ضاق الوقت صلى حسب حاله . وكذلك المستحاضة إذا كان دمها ينقطع بعد الوقت : لم يجز لها التأخير ، بل تصلي في الوقت بحسب حالها . انتهى وتقدم اختياره إن استيقظ أول الوقت ، واختار أيضا تقديم الشرط إذا استيقظ آخر الوقت وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت : اغتسل وصلى ، ولو خرج الوقت . وكذلك لو نسيها تقدم ذلك كله عند قوله " ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفا من فوات المكتوبة " . وقال ابن منجا في شرحه : في جواز التأخير لأجل الاشتغال بالشروط : نظر وذلك من وجهين . أحدهما : أنه لم ينقله أحد من الأصحاب ممن تقدم المصنف رحمه الله ممن يعلمه ، بل نقلوا عدم الجواز . واستثنوا : من نوى الجمع لا غير . وذكر ذلك أبو الخطاب في هدايته ، وصاحب النهاية فيها ، وفي خلاصته . [ ص: 400 ] وثانيهما : أن ذلك يدخل فيه من أخر الصلاة عمدا حتى بقي من الوقت مقدار الصلاة ، ولا وجه لجواز التأخير له . انتهى .

وقال ذلك أيضا ابن عبيدان في شرحه . وتقدم في آخر التيمم : إذا خاف فوت الصلاة المكتوبة ، أو الجنازة ونحوها : هل يشتغل بالشرط ، أو يتيمم ؟ ويأتي آخر صلاة الخوف : هل يؤخر الصلاة عن وقتها إذا اشتد الخوف أم لا ؟ .

تنبيه :

مفهوم قوله ( ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ) أنه يجوز تأخيرها إلى أثناء وقتها ، وهو صحيح ، إذ لا شك أن أوقات الصلوات الخمس أوقات موسعة . لكن قيد ذلك الأصحاب بما إذا لم يظن مانعا من الصلاة كموت وقتل وحيض ، وكمن أعير سترة أول الوقت فقط ، أو متوضئ عدم الماء في السفر ، وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت . ولا يرجو وجوده . وتقدم إذا كانت للمستحاضة عادة بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعل الصلاة : أنه يتعين لها . فإذا انتفت هذه الموانع جاز له تأخيرها إلى أن يبقى قدر فعلها ، لكن بشرط عزمه على الفعل . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وقيل : يجوز التأخير بدون العزم . واختاره أبو الخطاب في التمهيد . وذكره المجد . ذكره القاضي في بعض المواضع . قاله ابن عبيدان . قال في القواعد الأصولية : ومال إليه القاضي في الكفاية . وينبني على القولين : هل يأثم المتردد حتى يضيق وقتها عن بعضها أم لا ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية