الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 208 ] واعلم أنه ( ليس الكلب بنجس العين ) عند الإمام وعليه الفتوى وإن رجح بعضهم النجاسة كما بسطه ابن الشحنة ، فيباع ويؤجر ويضمن ، ويتخذ جلده مصلى ودلوا ، ولو أخرج حيا ولم يصب فمه الماء لا يفسد ماء البئر ولا الثوب بانتفاضه ولا بعضه ما لم ير ريقه ولا صلاة حامله ولو كبيرا ، وشرط الحلواني شد فمه . ولا خلاف في نجاسة لحمه وطهارة شعره .

التالي السابق


( قوله ليس الكلب بنجس العين ) بل نجاسته بنجاسة لحمه ودمه ، ولا يظهر حكمها وهو حي ما دامت في معدنها كنجاسة باطن المصلي فهو كغيره من الحيوانات ( قوله وعليه الفتوى ) وهو الصحيح والأقرب إلى الصواب بدائع وهو ظاهر المتون بحر . ومقتضى عموم الأدلة فتح ( قوله فيباع إلخ ) هذه الفروع بعضها ذكرت أحكامها في الكتب هكذا وبعضها بالعكس ، والتوفيق بالتخريج على القولين كما بسطه في البحر ، وما في الخانية من تقييد البيع بالمعلم فالظاهر أنه على القول الثاني ، بدليل أنه ذكر أنه يجوز بيع السنور وسباع الوحش والطير معلما كان أو لا . تأمل .

( قوله ويؤجر ) الظاهر تقييده بالمعلم ولو لحراثة لوقوع الإجارة على المنافع ، ولذا عقبه في عمدة المفتي بقوله : والسنور لا يجوز ; لأنه لا يعلم ( قوله ويضمن ) أي لو أتلفه إنسان ضمن قيمته لصاحبه ( قوله ولا الثوب بانتفاضه ) وما في الولوالجية وغيرها إذا خرج الكلب من الماء وانتفض فأصاب ثوب إنسان أفسده لا لو أصابه ماء المطر ; لأن المبتل في الأول جلده وهو نجس وفي الثاني شعره وهو طاهر . ا هـ فهو على القول بنجاسة عينه كما في البحر ويأتي تمامه قريبا ( قوله ولا بعضه ) أي عض الكلب الثوب ( قوله ما لم ير ريقه ) فالمعتبر رؤية البلة وهو المختار نهر عن الصيرفية ، وعلامتها ابتلال يده بأخذه ، وقيل لو عض في الرضا نجسه ; لأنه يأخذ بشفته الرطبة لا في الغضب لأخذه بأسنانه ( قوله ولا صلاة حامله إلخ ) قال في البدائع : قال مشايخنا : من صلى وفي كمه جرو تجوز صلاته ، وقيده الفقيه أبو جعفر الهندواني بكونه مشدود الفم . ا هـ .

وفي المحيط : صلى ومعه جرو كلب أو ما لا يجوز الوضوء بسؤره قيل لم يجز والأصح أنه إن كان فمه مفتوحا لم يجز ; لأن لعابه يسيل في كمه فينجس لو أكثر من قدر الدرهم ولو مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز ; لأن ظاهر كل حيوان طاهر لا يتنجس إلا بالموت ، ونجاسة باطنه في معدته فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي . ا هـ .

والأشبه إطلاق الجواز عند أمن سيلان القدر المانع قبل الفراغ من الصلاة كما هو ظاهر ما في البدائع حلية . وأشار الشارح بقوله ولو كبيرا إلى أن التقييد بالجرو لصحة التصوير بكونه في كمه كما في النهر وشرح المقدسي ، لا لما ظنه في البحر من أن الكبير مأواه النجاسات فلا تصح صلاة حامله ، فإنه يرد عليه كما قال المقدسي أن الصغير كذلك .

ثم الظاهر أن التقييد بالحمل في الكم مثلا لإخراج ما لو جلس الكلب على المصلي فإنه لا يتقيد بربط فمه ، لما صرح به في الظهيرية من أنه لو جلس على حجره صبي ثوبه نجس وهو يستمسك بنفسه أو وقف على رأسه حمام نجس جازت صلاته . ا هـ تأمل ( قوله وشرط الحلواني ) صوابه الهندواني كما مر ، وهو الموجود في البحر والنهر وغيرهما .

( قوله ولا خلاف في نجاسة لحمه ) ولذا اتفقوا على نجاسة سؤره المتولد من لحمه ; فمعنى القول بطهارة عينه طهارة ذاته مادام حيا ، وطهارة جلده بالدباغ والذكاة ، وطهارة ما لا تحله الحياة من أجزائه كغيره من السباع ( قوله وطهارة شعره ) أخذه في البحر من المسألة المارة آنفا عن الولوالجية فإنها مبنية على القول بنجاسة عينه ، [ ص: 209 ]

وقد صرح فيها بطهارة شعره . ومما في السراج أن جلد الكلب نجس وشعره طاهر هو المختار . ا هـ ; لأن نجاسة جلده . مبنية على نجاسة عينه ، فقد اتفق القول بنجاسة عينه ، والقول بعدمها على طهارة شعره . ويفهم من عبارة السراج أن القائلين بنجاسة عينه اختلفوا في طهارة شعره والمختار الطهارة وعليه يبتنى ذكر الاتفاق ، لكن هذا مشكل ; لأن نجاسة عينه تقتضي نجاسة جميع أجزائه ، ولعل ما في السراج محمول على ما إذا كان ميتا لكن ينافيه ما مر عن الولوالجية ، نعم قال في المنح : وفي ظاهر الرواية أطلق ولم يفصل : أي أنه لو انتفض من الماء فأصاب ثوب إنسان أفسده سواء كان البلل وصل إلى جلده أو لا ، وهذا يقتضي نجاسة شعره فتأمل . .




الخدمات العلمية