الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ولو ذكر المغمى عليه أو المجنون لما أفاق أنه طلق وقع ، نص عليه ، قال الشيخ : هذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية ، فأما المبرسم ومن به نشاف فلا يقع ، وفي الروضة أن المبرسم والموسوس إن عقل الطلاق لزمه ، ويدخل في كلامهم من غضب حتى أغمي [ عليه ] أو غشي عليه ، قال شيخنا : بلا ريب ، ذكر أنه طلق أم لا ، ويقع من غيره .

                                                                                                          في ظاهر كلامهم ، لأن { أبا موسى أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله ، فوجده غضبان فحلف لا يحملهم وكفر } الحديث .

                                                                                                          { وسأله رجل عن ضالة الإبل ، فغضب حتى احمرت وجنتاه واحمر وجهه [ ص: 365 ] قال : ما لك ولها ؟ دعها } الحديث متفق عليه من حديث زيد بن أرقم .

                                                                                                          وجنتاه مثلث الواو ، ما ارتفع من الخدين .

                                                                                                          وفي حديث زيد بن ثابت { أنه لما أبطأ عليهم في الخروج في قيام رمضان رفعوا أصواتهم وحصبوا الباب ، فخرج مغضبا } .

                                                                                                          الحديث ، ولأنه قول ابن عباس ، ولأنه من باطن كالمحبة الحاملة على الزنا ، وعند شيخنا إن غيره ولم يزل عقله لم يقع ، لأنه ألجأه وحمله عليه فأوقعه وهو يكرهه ليستريح منه ، فلم يبق له قصد صحيح ، فهو كالمكره ، ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله ، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه .

                                                                                                          وفي صحة حكمه الخلاف ، وإنما انعقدت يمينه ; لأن ضررها يزول بالكفارة ، وهذا إتلاف ، وروى أحمد { لا طلاق ولا عتاق في إغلاق } قال في رواية حنبل : يريد [ به ] الغضب ، ذكره أبو بكر ولم يذكر خلافه .

                                                                                                          وقال أبو داود : أظنه الغضب ، وهذا والقياس على المكره يدل [ على ] أن يمينه لا تنعقد ، ويخص ظاهر الدليل بهذا ، أما الغضب يسيرا فلا يؤثر ذلك فيقع ، وعليه يحمل نذر الغضب ، وفيه نظر ، لظاهر قصة ليلى بنت العجمي التي أفتاها الصحابة في قولها هي يهودية ونصرانية وكذا ، وعليه حمل صاحب المحرر حكمه للزبير .

                                                                                                          [ ص: 366 ] ولمن اختار هذا أن يحمل الأخبار المذكورة عليه ، وإن كان كثيرا ، كظاهر خبر زيد ، فلأنه معصوم ، ولهذا ذكر في شرح مسلم أنه لا يكره حكمه معه ، أما لو طلق غيرها أو تصرف بغيره صح ، وفي الفنون : من دقيق الورع ومكارم الأخلاق أن لا يقبل البذل في اهتياج الطبع وهو كبذل السكران ، وقل أن يصح رأي مع فورة طبع من حزن أو سرور أو حقن الخبث أو غضب ، فإذا بذل في فورة ذلك يعقبه الندم ، ومن هنا لا يقضي غضبان .

                                                                                                          وإذا أردت علم ذلك فاختبر نفسك .

                                                                                                          وقد ندم أبو بكر على إحراقه بالنار ، والحسن على المثلة ، فمن هنا وجب التوقف إلى حين الاعتدال .

                                                                                                          وقال ابن الجوزي : من الذنوب المختصة بالقلب الغضب ، وإنما ينشأ من اعتقاد الكبر على المغضوب عليه ، ثم ذكر النهي عنه ، وإذا كظمه عجزا عن التشفي احتقن في الباطن ، فصار حقدا يثمر الحسد والطعن فيه ،

                                                                                                          وفي البخاري ( باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب ) ثم روى قصة { الأنصاري لما سمع اليهودي يقول : والذي اصطفى موسى على البشر فغضب فلطمه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك } ، ولأنه { عليه الصلاة والسلام نهى عن الغضب فقال لرجل : لا تغضب } رواه البخاري .

                                                                                                          والمحال لا ينهى عنه ، وما حرم لا يمنع ترتب الأحكام مع وجود العقل ، كالخمر ، وظهر من هذا أنه إن زال عقله به إن عذر فكسكر عذر فيه ، وإلا كبنج ، وظهر الجواب عن فعل ورد مع غضب ، والله أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية