الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل ( الثالث ) نجس ، وهو ما تغير بنجاسة ( و ) وكذا قليل لاقى نجاسة .

                                                                                                          وفي عيون المسائل يدركها طرف ( و ش ) . وقيل : إن مضى زمن تسري فيه ، وعنه لا ينجس ( و م ) وعنه إن كان جاريا ( و هـ ) [ ص: 85 ] اختارها جماعة ، وحكى عنه أبو الوقت الدينوري طهارة ما لم يدركه الطرف ، ذكره ابن الصيرفي . وعنه تعتبر كل جرية بنفسها ، وهي أشهر ، فيفضي إلى تنجس نهر كبير بنجاسة قليلة لا كثيرة ، لقلة ما يحاذي القليلة ، والجرية ما أحاط بالنجاسة فوقها وتحتها ويمنة ويسرة .

                                                                                                          وقال الشيخ : وما انتشرت إليه عادة أمامها ووراءها ، وإن امتدت النجاسة فقيل : واحدة ، وقيل : كل جرية نجاسة منفردة ( م 16 ) ولا يؤثر تغيره في محل التطهير ، وفيه قول ، اختاره شيخنا ، قال : والتفريق بينهما بوصف غير مؤثر لغة وشرعا .

                                                                                                          وإن لم يتغير الكثير لم ينجس ، إلا ببول أو عذرة رطبة أو يابسة ذابت نص عليه ، وعنه : أولا من آدمي ، فيه روايتان ( م 17 ) [ ص: 86 ] وقيل بل عذرة مائعة ، ولم يستثن في التلخيص إلا بول آدمي ، وكذا قال أحمد في رواية صالح . ونقل مهنا في بئر وقع فيه ثوب تنجس ببول آدمي : ينزح ، ويتوجه من تقييد العذرة بالمائعة لا ينزح ، اختار أكثر المتأخرين لا ينجس ( و . ش ) قال القاضي وغيره ونقل الجماعة واختاره شيوخ أصحابنا : ينجس ، إلا أن تعظم مشقة نزحه كمصانع بطريق [ ص: 87 ] مكة .

                                                                                                          وإن تغير بعض الكثير ففي نجاسة ما لم يتغير مع كثرته وجهان ( م 18 ) وظاهر كلامهم ; أن نجاسة الماء النجس عينية . وذكر شيخنا في شرح العمدة لا ، لأنه يطهر غيره ، فنفسه أولى ، وأنه كالثوب النجس وذكر [ ص: 88 ] بعض أصحابنا في كتب الخلاف : أن نجاسته مجاورة سريعة الإزالة ، لا عينية ، فلهذا يجوز بيعه ، وحرم الحلواني وغيره استعماله إلا لضرورة . وذكر جماعة أن سقيه للبهائم كالطعام النجس . وفي نهاية الأزجي : لا يجوز قربانه بحال ، بل يراق ، وقاله في التعليق في المتغير ، وأنه في حكم عين نجسة ، بخلاف قليل نجس لم يتغير ، فيجوز بل الطين به ، وسقي الدواب ، ويأتي كلام الأزجي في الاستحالة . والكثير قلتان ، والقليل دونهما ( هـ ) وهما خمسمائة رطل عراقية ، والرطل مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، فهو سبع الدمشقي ونصف سبعه ، فالقلتان بالدمشقي مائة رطل ، وسبعة أرطال وسبع ( و ش ) وعنه أربعمائة عراقية ، والتقدير تقريب على الأصح ( و ش ) ويطهر الكثير النجس بزوال تغيره بنفسه على الأصح ، أو إضافة قلتين بحسب الإمكان للمشقة ، واعتبر الأزجي والمستوعب الاتصال في صب الماء ، أو بنزح يبقى بعده قلتان . وهو طهور ، وقيل : طاهر لزوال النجاسة به ، ولا يطهر القليل النجس إلا بقلتين ، فإن أضيف إلى ذلك قليل طهور ، أو مائع وبلغ القليل قلتين أو تراب ونحوه غير مسك ونحوه لم يطهر ، لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه ، فغيره أولى ، وقيل بلى لخبر القلتين ، ولزوال التغير ، وقيل : بالماء ، لأن غيره يستر النجاسة ، وقيل به في النجس الكثير فقط ، جزم به في المستوعب وغيره ، وأطلق في الإيضاح روايتين في التراب ، وللشافعي قولان . وإن أضيف إلى القليل قليل ولم يبلغا قلتين ، أو تراب ونحوه ، لم يطهر ، لبقاء علة التنجيس ، وهي الملاقاة ويطهر ما لا يشق ، [ ص: 89 ] نزحه بما يشق ، وقيل : أو هما يشقان ، وقيل : وبقلتين ، ويعتبر زوال التغير في الكل . وإن اجتمع من نجس وطهور وطاهر قلتان بلا تغير فكله نجس ، وقيل : طاهر ، وقيل : طهور ، وإن أضيف قلة نجسة إلى مثلها ولا تغير لم يطهر في المنصوص ( ش ) ككمالها ببول أو نجاسة أخرى ، ( و ) وفي غسل جوانب بئر نزحت أرضها روايتان ( م 19 ) وله استعمال كثير لم يتغير ، ولو مع قيام النجاسة فيه وبينه وبينها قليل ، وما انتضح من قليل لسقوطها فيه نجس . وإن شك في كثرة الماء ، أو نجاسة عظم ، أو روثة أو جفاف نجاسة على ذباب وغيره ، أو ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء ثم وجد بفيه رطوبة فوجهان ( م 20 - 24 ) ونقل حرب وغيره [ ص: 90 ] فيمن وطئ روثة فرخص فيه : إذا لم يعرف ما هي ؟ وإن احتمل تغيره [ ص: 91 ] بما فيه من نجس أو غيره عمل به ، وإن احتملهما فوجهان ( م 25 ) وإن شك في طهارة شيء ، أو نجاسته بنى على أصله ( و ) وإن أخبره عدل بنجاسته ، قيل : إن عين سببها ، وقيل : مطلقا ، وفي المستور ، والمميز ، ولزوم [ ص: 92 ] السؤال عن السبب وجهان ( م 26 ) وإن أصابه ماء ميزاب ولا أمارة كره سؤاله عنه ، نقله صالح ، لقول عمر لصاحب الحوض : لا تخبرنا ، فلا يلزم الجواب ، وقيل : بلى ، كما لو سئل عن القبلة ، وقيل : الأولى السؤال [ ص: 93 ] والجواب ، وقيل بلزومها ، وأوجب الأزجي إجابته إن علم نجاسته ، وإلا فلا . وينجس كل مائع ، كزيت وسمن بنجاسة ، نقله الجماعة ( و م ش ) وذكره ابن حزم ( ع ) في سمن ، كذا قال ، وعنه حكمه كالماء ( و هـ ) وعنه إن كان الماء أصلا له .

                                                                                                          وقال شيخنا : ولبن كزيت . وإن اشتبه طهور بنجس لم يتحر ( ش ) كميتة بمذكاة ، وهل يشترط لتيممه إراقتهما ، أو خلطهما أم لا ؟ فيه روايتان ( م 29 ) وإن علم النجس وقد تيمم وصلى [ ص: 94 ] فلا إعادة في الأصح ، وعنه له التحري إذا زاد عدد الطهور ( و هـ ) وقيل : عرفا . وهل يلزم من علم النجس إعلام من أراد أن يستعمله ؟ فيه احتمالات ، الثالث يلزم إن شرطت إزالتها لصلاة ( م 30 ) وهل يلزم التحري لأكل أو شرب ؟ فيه روايتان ( م 31 ) ثم في غسل ؟ فيه وجهان ( م 32 ) ولا يتحرى أحد مع وجود غير مشتبه ( ش ) ومحرم كنجس فيما تقدم ، وقيل : يتحرى مطلقا .

                                                                                                          وإن توضأ بماء ثم علم نجاسته أعاد ، نقله الجماعة ( و ) [ ص: 95 ] خلافا للرعاية ، وإن لم نقل : إزالة النجاسة شرط ، كذا قال ، ونصه : حتى يتيقن براءته .

                                                                                                          وقال القاضي وأصحابه بعد ظنه نجاسته ، وذكر في الفصول والأزجي : إن شك ، هل كان وضوءه قبل نجاسة الماء ، أو بعده ، لم يعد ، لأن الأصل الطهارة ، وهذا معنى كلام غيرهما ، لعدم العلم أنه صلى بنجاسة ، لكن يقال : شكه في القدر الزائد كشكه مطلقا ، فيؤخذ من هذا لا يلزمه أن يعيد إلا ما تيقنه بماء نجس ، وهو متجه ، وفاقا لأبي يوسف ومحمد وبعض الشافعية ، كشكه في شرط العبادة بعد فراغها ، فهو كشكه في النية بعد الفراغ ، وعلى هذا لا يغسل ثيابه ، وآنيته ، ونص أحمد يلزمه ( و ) ويأتي أن من صلى ووجد عليه نجاسة لا يعلم : هل كانت في الصلاة ؟ أنها تصح في الأشهر ، لأنه الأصل ، قال في منتهى الغاية : ولهذا لو رأى نجاسة في ماء يسير ، أو أصابته جنابة ولم يعلم زمن ابتدائهما لكانا في وقت الشك كالمعدومين يقينا ، لأنه الأصل ، كذا قال ، ولعل مراده أنه شك : هل صلى مع المانع أصلا ، أم لا ؟ وقد يفرق بتأكد رفع الحدث ، بخلاف النجاسة ، والله أعلم .

                                                                                                          وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ منهما وضوءا واحدا ، وقيل : من كل واحد ، ولا يتحرى في مطلق ومستعمل ( ش ) ويصلي صلاة واحدة ، وإن توضأ منهما مع طهور بيقين وضوءا واحدا صح ، وإلا فلا . وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى بعدد النجس ، وزاد صلاة ، ونوى بكل صلاة الفرض ، احتياطا كمن نسي صلاة من يوم ، وقد فرق أحمد بين الثياب والأواني بأن الماء يلصق بالبدن ، قال الأصحاب : ولأنه ليس [ ص: 96 ] عليها أمارة ، ولا لها بدل يرجع إليه ، ويتوجه احتمال سواء ، وقيل : يتحرى مع كثرة الثياب النجسة للمشقة ( و . هـ . ش م ر ) لا مطلقا خلافا للفنون .

                                                                                                          وقاله أيضا في مناظراته ، وقيل : يصلي في واحد بلا تحر ، وفي الإعادة وجهان ، ويتوجه أن هذا فيما إذا بان طاهرا كنظيره في ماء مشتبه في وجه ، ولا تصح في الثياب المشتبهة مع طاهر يقينا ( ش ) وكذا الأمكنة . ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحر . وإن اشتبهت أخته بأجنبية لم يتحر ، وقيل : بلى في عشر ، وفي قبيلة كبيرة له النكاح ، وفي لزوم التحري وجهان ( م 33 ) ويتوجه مثله [ ص: 97 ] في الميتة بالمذكاة ( م 34 ) قال أحمد : أما شاتان : فلا يجوز التحري ، فأما إذا كثرت فهذا غير هذا ، ونقل الأثرم أنه قيل له فثلاثة ؟ قال : لا أدري .

                                                                                                          [ ص: 85 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 85 ] مسألة 16 ) قوله والجرية ما أحاط بالنجاسة فوقها ، وتحتها ، ويمنة ، ويسرة وقال الشيخ : وما انتشرت إليه عادة أمامها ووراءها ، وإن امتدت النجاسة فقيل واحدة ، وقيل : كل جرية نجاسة منفردة انتهى وأطلقهما في الرعاية الكبرى ، ومختصر ابن تميم وتبعه ابن عبيدان ( أحدهما ) كل جرية نجاسة منفردة ، وهو الصحيح اختاره الشيخ الموفق والشارح وجزما به ، وكذلك ابن رزين في شرحه ( والوجه الثاني ) الكل نجاسة واحدة ، فعلى هذا ينجس نهر كبير بنجاسة قليلة لا كثيرة لقلة ما يحاذي القليلة ، إذ لو فرضنا كلبا في جانب نهر وشعرة منه في جانبه الآخر لكان ما يحاذيها لا يبلغ قلتين لقلته ، والمحاذي للكلب يبلغ قلالا ، وهذا الوجه ظاهر كلام القاضي وأصحابه وغيرهم ، حيث اختارا اعتبار كل جرية بنفسها .

                                                                                                          ( مسألة 17 ) قوله : " وإن لم يتغير الكثير لم ينجس ، إلا ببول ، أو عذرة رطبة أو يابسة ذابت من آدمي ففيه روايتان " وأطلقهما في الإرشاد ، والمغني ، والمذهب الأحمد ، والتلخيص ، والبلغة ، والشرح ، ومختصر ابن تميم ، وشرح ابن رزين ، [ ص: 86 ] والفائق وغيرهم ( إحداهما ) لا ينجس ، وهو الصحيح من المذهب عند المتأخرين ، وهو ظاهر الإيضاح والعمدة والخلاصة والوجيز وإدراك الغاية ، وتذكرة ابن عبدوس ، والمنور ، ومنتخب الآدمي ، والتسهيل وغيرهم ، لعدم ذكرهم لهما ، وقدمه في المستوعب والمحرر والرعايتين والحاويين .

                                                                                                          وقال الشيخ تقي الدين وتبعه المصنف ، اختاره أكثر المتأخرين ، قال ناظم المفردات : هذا قول الجمهور ، قال المستوعب والتفريع عليه قال في المذهب : لم ينجس في أصح الروايتين ، قال ابن منجى في شرحه : عدم النجاسة أصح ، انتهى ، واختاره أبو الخطاب ، وابن عقيل ، والشيخ الموفق ، والمجد ، والناظم في شرحه ونظمه وغيرهم ( قلت ) وهو المذهب على ما اصطلحناه ( والرواية الثانية ) ينجس إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس ، وهذا المذهب عند أكثر المتقدمين ، قال في الكافي : أكثر الروايات أن البول والغائط ينجس الماء الكثير ، قال في المغني وتبعه ناظم المفردات : الأشهر أنه ينجس ، وكذا قال ابن عبيدان ، وقال : اختارها الشريفان والقاضي ، وقال اختارها الخرقي ، وشيوخ أصحابنا ، قال في تجريد العناية . هذا أظهر عنه ، قال الزركشي : هي أشهر الروايتين عن أحمد نقلا ، واختارها الأكثرون ، قال الشيخ تقي الدين : اختارها أكثر المتقدمين ، قال الزركشي : وأكثر المتوسطين كالقاضي ، والشريف ، وابن البنا ، وابن عبدوس ، وغيرهم ، وقدمه في الفصول .

                                                                                                          [ ص: 87 ] مسألة 18 ) قوله : " وإن تغير بعض الكثير ففي نجاسة ما لم يتغير مع كثرته وجهان " انتهى ، وأطلقهما ابن تميم ( أحدهما ) يكون طهورا ، وهو الصحيح ، وجزم به في المستوعب ، والكافي ، وقدمه في الرعايتين ، ومجمع البحرين ، والحاوي الصغير ، أو المغني والشرح ، ونصراه ، وصححه في الحاوي الكبير ، وابن عبيدان ، وابن نصر الله في حواشيه ( والوجه الثاني ) يكون نجسا اختاره ابن عقيل ، وقدمه ابن رزين في شرحه ، وقيل : الباقي طهور وإن قل ، ذكره في الرعاية ، واختاره القاضي ، وذكره في المستوعب .

                                                                                                          تنبيهات

                                                                                                          ( أحدها ) قوله وظاهر كلامهم أن نجاسة الماء النجس عينية ، وذكر شيخنا في شرح العمدة لا ، لأنه يطهر غيره فنفسه أولى ، وأنه كثوب نجس ، انتهى .

                                                                                                          ما قاله الشيخ تقي الدين هو الصواب ، وفي قول المصنف إنها عينية نظر ، لأن الأصحاب قالوا النجاسة العينية لا يمكن تطهيرها ، وهذا يمكن تطهيره ، فظاهر كلامهم أنها حكمية ، وهو الصواب ، وهو ظاهر ما نقله المصنف عن بعض الأصحاب في كتب الخلاف .

                                                                                                          ( الثاني ) ظاهر كلام المصنف أنه أطلق الخلاف في جواز استعمال الماء النجس ، وقد قال في الرعاية الكبرى : لا يجوز استعماله بحال : إلا لضرورة ، وكذا قال ابن تميم ، وزاد جواز سقيه للبهائم ، قياسا على قوله في الطعام النجس وهو الصواب .

                                                                                                          ( الثالث ) قوله في تطهير ما لا يشق نزحه ، وقيل وبقلتين ، قال شيخنا في حواشيه : الذي يظهر أن هذا القول سهو ، إذ لا وجه له ، والمسألة في بول الآدمي ، ولا يدفع المجموع النجاسة عن نفسه ، فمن أين يحصل التطهير ؟ ؟ انتهى .

                                                                                                          [ ص: 88 - 89 ] مسألة 19 ) وفي غسل جوانب بئر نزحت وأرضها روايتان ، انتهى . وأطلقهما في الفصول والمستوعب ومختصر ابن تميم وشرح ابن عبيدان والفائق وغيرهم ( إحداهما ) لا يجب غسل ذلك وهو الصحيح ، قال المجد في شرحه : هذا الصحيح ، دفعا للحرج والمشقة ، وصححه في مجمع البحرين ( والرواية الثانية ) يجب غسله ، ويأتي كلام ابن رزين وقال في الرعايتين والحاويين : يجب غسل البئر الضيقة وجوانبها وحيطانها ، وعنه والواسعة أيضا ، انتهى ، قال القاضي في الجامع الكبير : الروايتان في الواسعة ، والضيقة يجب غسلها رواية واحدة ، قال ابن رزين في شرحه : وإن تنجست جوانب بئر وجب غسلها ، كرأس البئر ، وعنه لا يجب ، لما فيه من المشقة . انتهى .

                                                                                                          ( مسألة 20 - 24 ) قوله : فإن شك في كثرة الماء أو نجاسة عظم ، أو روثة ، أو جفاف نجاسة على ذباب وغيره ، أو ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء ثم بفيه رطوبة فوجهان ، انتهى ، ذكر المصنف في هذه الجملة مسائل :

                                                                                                          [ ص: 90 ] المسألة الأولى 20 ) : إذا شك في كثرة الماء ، يعني : إذا وقعت فيه نجاسة وشك هل هو قلتان أو دونهما ، ففي نجاسته وجهان ، وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والرعايتين ، والحاويين ، وابن تميم ، وغيرهم ( أحدهما ) هو نجس ، وهو الصحيح ، اختاره المجد في شرحه ، فقال : هذا الصحيح ، لأنه قد تعارض الأصلان ، فيتعين الأحوط نقله ابن عبيدان ، قال في القواعد الفقهية : هذا المرجح عند صاحب المغني والمحرر ، انتهى ، قال في مجمع البحرين هو نجس في أصح الوجهين ، وهو ظاهر ما جزم به الشارح في موضع آخر ( والوجه الثاني ) هو طاهر ، قال في القواعد . وهو أظهر .

                                                                                                          ( المسألة الثانية 21 ) لو شك في نجاسة عظم وقع في ماء ، فهل يحكم بنجاسة الماء أم لا ؟ أطلق فيه الخلاف ( أحدهما ) لا يحكم بنجاسته ، بل هو طاهر ( قلت ) وهو الصواب ، لأن الأصل طهارة الماء ، فلا تزول بالشك في تنجيسه ، وأيضا قد يقال : إنه كالروثة المشكوك في طهارتها ونجاستها الآتية ، وهو ظاهر كلام المصنف ، ومال إليه صاحب تصحيح المحرر ، قال ابن تميم : لم يحكم بنجاسة الماء في أحد الوجهين ( والوجه الثاني ) هو نجس ، وأطلقهما في الرعاية الكبرى .

                                                                                                          ( المسألة الثالثة 22 ) لو شك في روثة وقعت في ماء : هل هي طاهرة أو نجسة ؟ فأطلق فيها الخلاف ( أحدهما ) هو طاهر ، وهو الصحيح ، اختاره الشيخ تقي الدين ، قال في القاعدة الثامنة والخمسين بعد المائة : هذا المرجح عند الأكثر ، وجزم به في المغني والشرح ، وصححه المجد في شرحه ، وصاحب مجمع البحرين ، وابن عبيدان ، وقد نقل حرب وغيره فيمن وطئ روثة فرخص فيه إذا لم يعرف ما هي ( والوجه الثاني ) هو نجس ، قال الشيخ تقي الدين : الوجهان مبنيان على أن الأصل في الأرواث الطهارة إلا ما استثني ، وهو الصواب ، أو النجاسة إلا ما استثني انتهى .

                                                                                                          ( المسألة الرابعة 23 ) لو شك في جفاف نجاسة على ذباب وغيره وعدمه ، فأطلق [ ص: 91 ] فيه الخلاف ، وأطلقه في القاعدة الثامنة والخمسين بعد المائة ، ومختصر ابن تميم ، والرعاية الكبرى ( أحدهما ) الحكم بعدم الجفاف ( قلت ) وهو الصواب ، لأنه الأصل ، والفرض مع الشك ( والوجه الثاني ) الحكم بأنها جفت .

                                                                                                          ( المسألة الخامسة 24 ) إذا شك في ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء ثم وجد بفيه رطوبة . فأطلق الخلاف في طهارة الماء وعدمها ، وأطلقهما في القاعدة الثامنة والخمسين بعد المائة ، ونقلهما عنالأزجي ( أحدهما ) هو طاهر ، لأن الأصل عدم الولوغ ( والوجه الثاني ) هو نجس ( قلت ) وهو الصواب ، لأن القرائن المحتفة بذلك تقتضي ما قلنا ، وتوجب ضعف الأصل ، وهو ظاهر كلام جماعة .

                                                                                                          ( مسألة 25 ) قوله : " وإن احتمل تغيره من نجس أو غيره عمل به ، وإن احتملهما فوجهان " وهما احتمالان مطلقان في فصول ابن عقيل ، وشرح ابن عبيدان وأطلقهما ابن تميم ، فقال : ومتى وجد ماء متغيرا وشك فيما تغير به فهو طاهر ، وإن كان فيه ما يصلح أن يغيره من نجاسة أو غيرها أضيف التغير إليه ، وإن لم يصلح لم يضف ، وإن احتملهما فوجهان ، انتهى ، وقال في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة : إذا وقع في ماء يسير ما لا نفس له سائلة ، وشك : هل هو متولد من النجاسة أم لا ؟ كان هناك بئر ، وحش : فإن كان إلى البئر أقرب ، أو هو بينهما بالسوية فهو طاهر وإن كان إلى الحش أقرب فوجهان ( أحدهما ) نجس ، والآخر طاهر ، ما لم يعاين خروجه من الحش ، ونقله صاحب المهم عن شيخه ابن تميم ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) الصواب أنه طاهر لأنه الأصل ، وهو ظاهر كلام جماعة ، ثم وجدت شيخنا في حواشي الفروع نقل أن الشيخ تقي الدين قطع في الفتاوى المصرية بعدم نجاسته .

                                                                                                          [ ص: 92 ] مسألة 26 - 28 ) قوله : وإن أخبره عدل بنجاسته قيل : إن عين السبب ، وقيل مطلقا وفي المستور والمميز ولزوم السؤال عن السبب وجهان انتهى . ذكر المصنف في هذه الجملة مسائل .

                                                                                                          ( المسألة الأولى 26 ) لو أخبره مستور الحال بنجاسة ماء ، فهل يقبل كالعدل أم لا ؟ أطلق فيه الخلاف ، وأطلقه ابن تميم ( أحدهما ) يقبل ، وهو الصحيح ، جزم به في المغني والشرح ، وشرح ابن رزين ، وابن عبيدان والحاوي الكبير ، ومجمع البحرين ، وغيرهم ، قال في الرعاية الكبرى : ويكفي خبر مستور الحال في الأصح ، والوجه الثاني لا يقبل ( قلت ) وهو ضعيف .

                                                                                                          ( المسألة الثانية 27 ) لو أخبره مميز فهل يقبل خبره أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقهما في الرعاية الكبرى ، أحدهما لا يقبل ، وهو الصحيح ، وجزم به في الكافي ، والمغني والشرح ، وشرح ابن رزين ، ومختصر ابن تميم ، وغيرهم ، وقدمه في الفصول ، وشرح ابن عبيدان قال في مجمع البحرين والحاوي الكبير : يقبل ، وهو تخريج في الفصول ، قال ابن عبيدان وغيره : ويتخرج وجه بالقبول بناء على قبول شهادته في الجراح ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) القول بالقبول مطلقا قوي ، لأنه خبر لا شهادة ، وقد قبل الشيخ الموفق وغيره قول مستور الحال في التي قبلها ، مع أنه لا تقبل شهادته ، على الصحيح من المذهب .

                                                                                                          ( المسألة الثالثة 28 ) هل يلزم السؤال عن السبب أم لا ؟ أطلق الخلاف وأطلقه ابن تميم وابن حمدان ( أحدهما ) لا يلزمه ، وهو الصحيح ، قدمه في الفائق ، واختاره الشيخ تقي الدين ( والوجه الثاني ) يلزمه ، وضعفه الشيخ تقي الدين .

                                                                                                          [ ص: 93 ] مسألة 29 ) قوله : " وهل يشترط لتيممه إراقتهما أو خلطهما ؟ فيه روايتان " انتهى ، وأطلقهما في الفصول ، والمستوعب ، والكافي ، والمقنع ، والتلخيص ، والبلغة والمذهب الأحمد ، والمحرر ، وشرح ابن منجى ، وابن عبيدان ، والزركشي ، والفائق وغيرهم ( إحداهما ) لا يشترط ، بل يصح تيممه مع بقائهما ، وهو الصحيح ، قال في المذهب : هذا أقوى الروايتين ، قال الناظم : هذا أولى ، وصححه في التصحيح ، وهو ظاهر كلام ابن عبدوس في تذكرته ، وصاحب التسهيل ، وجزم به في العمدة والإفادات والوجيز والنور ، ومنتخب الآدمي وغيرهم ، وقدمه ابن تميم ، وصاحب إدراك الغاية ، واختاره أبو بكر ، وابن عقيل والشيخ والشارح وغيرهم ( والرواية الثانية ) يشترط الإعدام بخلط أو إراقة ، اختاره الخرقي ، قال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين : هذا هو الصحيح ، وقدمه في الهداية والخلاصة وشرح ابن رزين والرعايتين والحاويين وغيرهم .

                                                                                                          وقال في الرعاية الكبرى : ويحتمل أن يبعد عنهما بحيث لا يمكنه الطلب .

                                                                                                          وقال في الصغرى أراقهما ، وعنه أو خلطهما .

                                                                                                          وقال في الكبرى : خلطهما ، أو أراقهما ، وعنه تعيين الإراقة . انتهى ، وقطع الزركشي وغيره أن حكم الخلط حكم الإراقة ، وهو كذلك .

                                                                                                          ( تنبيه )

                                                                                                          في كلام المصنف حذف ، وتقديره وهل يشترط لتيممه إراقتهما أو خلطهما أم لا ؟ وهو واضح ، وكذلك من عبارته كذلك .

                                                                                                          [ ص: 94 ] مسألة 30 ) قوله وهل يلزم من علم النجس إعلام من أراد أن يستعمله ؟ فيه احتمالات ، والثالث يلزم إن شرطت إزالتها لصلاة ، انتهى ، أحدها يلزم إعلامه ( قلت ) وهو الصواب ، وقدمه في الرعاية الكبرى في هذا الباب .

                                                                                                          وفي باب إزالة النجاسة ، وفرضه في إرادة التطهر به ، والاحتمال الثاني لا يلزمه ( قلت ) وهو ضعيف ، والثالث يلزمه إن قيل إن إزالتها شرط في صحة الصلاة ، وهو احتمال لصاحب الرعاية الكبرى ، وفيه ضعف .

                                                                                                          ( مسألة 31 ) قوله هل يلزم التحري لأكل أو شرب ؟ فيه روايتان ، انتهى ، وأطلقهما في الفائق ، إحداهما يلزم التحري ، وهو الصحيح ، جزم به في المغني ، والشرح ، وشرح ابن رزين ، وغيرهم ، وصححه في مجمع البحرين ، وشرح ابن عبيدان ، والرواية الثانية لا يلزم .

                                                                                                          ( مسألة 32 ) قوله ثم في غسل ، فيه وجهان . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، ومختصر ابن تميم وغيرهم ( أحدهما ) لا يجب ، وهو الصحيح ، صححه المجد في شرحه ، وابن عبد القوي في مجمع البحرين ، وابن عبيدان وغيرهم ، وجزم به في الفائق وغيره ، وقدمه في الحاوي الكبير ، وشرح ابن رزين ( والوجه الثاني ) يجب ، قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير .

                                                                                                          [ ص: 95 - 96 ] مسألة 33 ) وإن اشتبهت أخته بأجنبية لم يتحر ، وقيل بلى في عشر ، وفي قبيلة كبيرة له النكاح ، وفي لزوم التحري وجهان ، انتهى ، وأطلقهما في الرعايتين ، ومختصر ابن تميم ، والحاوي الصغير ، والقواعد الأصولية ، وغيرهم ( أحدهما ) لا يلزم التحري ، وهو الصحيح ، جزم به في المغني ، والشرح ، وشرح ابن رزين وغيرهم . قال في القاعدة السادسة بعد المائة : لو اشتبهت أخته بنساء أهل مصر جاز له الإقدام على النكاح ، ولا يحتاج إلى تحر على أصح الوجهين ، وقدمه ابن عبيدان ، وهو احتمال للقاضي . قال في الفائق : لو اشتبهت أخته بنساء أهل بلد لم يمنع من نكاحهن ، ويمنع في عشر ، وفي مائة وجهان وقال في الرعايتين : وقيل يتحرى في مائة ، وهو بعيد ، انتهى .

                                                                                                          وقال في القاعدة التاسعة بعد المائة : لو اشتبهت أخته بعدد محصور من الأجنبيات منع من التزوج بكل واحدة منهن حتى يعلم أخته من غيرها .

                                                                                                          وقال ابن تميم : فإن كن الأجنبيات عشرة لم يكن له أن يتحرى في أصح الوجهين ، انتهى .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) يلزمه ، قدمه في المستوعب ، والله أعلم .

                                                                                                          [ ص: 97 ] مسألة 34 ) قوله ويتوجه مثله الميتة بالمذكاة انتهى . قد علمت الصحيح في المسألة التي قبلها ، وقد قال في القاعدة السادسة بعد المائة : لو اشتبهت أخته بنساء أهل مصر جاز له الإقدام على النكاح ، ولا يحتاج إلى التحري على أصح الوجهين ، وكذا لو اشتبهت ميتة بلحم أهل مصر أو قرية انتهى ، فنقل أنها مثلها ، والله أعلم ، فهذه أربع وثلاثون مسألة في هذا الباب قد يسر الله بتصحيحها .




                                                                                                          الخدمات العلمية