الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ومن بعث إلى امرأته شيئا ، فقالت هو هدية وقال هو من المهر فالقول قوله في غير المهيأ للأكل ) ; لأنه المملك فكان أعرف بجهة التمليك كيف وإن الظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب إلا فيما يتعارف هدية وهو المهيأ للأكل ; لأنه متناقض عرفا وفسر الإمام الولوالجي المهيأ للأكل بما لا يبقى ويفسد فخرج نحو التمر والدقيق والعسل فإن القول فيه قوله ا هـ .

                                                                                        ودخل تحت غير المهيأ للأكل الثياب مطلقا فالقول فيها قوله وقال الفقيه أبو الليث المختار أن ما كان من متاع سوى ما يجب عليه فالقول له وإلا فلها كالدرع والخمار ومتاع البيت ; لأن [ ص: 198 ] الظاهر يكذبه والخف والملاءة لا تجب عليه ; لأنه ليس عليه أن يهيئ لها أمر خروجها كذا في غاية البيان وفي فتح القدير ثم كون الظاهر يكذبه في نحو الدرع والخمار إنما ينفي احتسابه من المهر لا من شيء آخر كالكسوة . ا هـ .

                                                                                        وهذا البحث موافق لما في الجامع الصغير فإنه قال إلا في الطعام الذي يؤكل فإنه أعم من المهيأ للأكل وغيره وفيه أيضا والذي يجب اعتباره في ديارنا جميع ما ذكر من الحنطة واللوز والدقيق والسكر والشاة الحية وباقيها يكون القول فيها قول المرأة ; لأن المتعارف في ذلك كله أن يرسله هدية . والظاهر مع المرأة لا معه ولا يكون القول له إلا في نحو الثياب والجارية ، وهذا كله إذا لم يذكر وقت الدفع جهة أخرى غير المهر فإن ذكر وقال اصرفوا بعض الدنانير إلى الشمع وبعضها إلى الحناء لا يقبل قوله بعد ذلك أنه من المهر كما في القنية .

                                                                                        وأشار المصنف إلى أنه لو بعث إليها ثوبا وقال هو من المكسوة وقالت هدية فإن القول قوله والبينة بينتها كذا في الخلاصة من كتاب الدعوى ، وهذا يدل على أن البينة بينتها في مسألة الكتاب أيضا لعدم الفرق بينهما وأراد بكون القول قوله في المختصر أن يحلف فإن حلف إن كان المتاع قائما كان للمرأة أن ترد المتاع ; لأنها لم ترض بكونه مهرا وترجع على الزوج بما بقي من المهر وإن كان المتاع هالكا إن كان شيئا مثليا ردت على الزوج مثل ذلك وإن لم يكن مثليا لا ترجع على الزوج بما بقي من المهر كذا في الخانية

                                                                                        وهذا إذا لم يكن من جنس المهر فإن كان من جنسه وقع قصاصا كما لا يخفى وصرح في معراج الدراية أن فيما كان القول فيه قولها وهو المهيأ للأكل فإنه مع يمينها وإن كان العرف شاهدا لها .

                                                                                        وأشار المصنف إلى أن الزوج لو بعث إليها هدايا وعوضته المرأة ثم زفت إليه ثم فارقها وقال بعثتها إليك عارية وأراد أن يسترده وأرادت هي أن تسترد العوض فالقول قوله في الحكم ; لأنه أنكر التمليك وإذا استرده تسترد هي ما عوضته كذا في الفتاوى السمرقندية وفي فتح القدير ولو بعث هو وبعث أبوها له أيضا ، ثم قال هو من المهر فللأب أن يرجع في هبته إن كان من مال نفسه وكان قائما وإن كان هالكا لا يرجع وإن كان من مال البنت بإذنها فليس لها الرجوع ; لأنه هبة منها وهي لا ترجع فيما وهبت لزوجها ا هـ .

                                                                                        ويفرق بين هذا وبين ما سبق أن في الأولى التعويض منها كان بناء على ظنها التمليك منه ، وقد أنكره فلم يصح [ ص: 199 ] التعويض فلم يكن هبة منها فلها الاسترداد وفي الثانية حصل التمليك فصح التعويض فلا رجوع لها

                                                                                        وقد يقال التعويض على ظن الهبة لا مطلقا ، وقد أنكرها فينبغي أن ترجع وقيد المصنف بكونه ادعاه مهرا ; لأنها لو ادعت أنه من المهر وقال هو وديعة فإن كان من جنس المهر فالقول قولها وإن كان من خلافه فالقول قوله وأطلق في البعث فشمل ما إذا اشترى لها شيئا بعدما بنى بها بأمرها أو دفع إليها دراهم حتى اشترت هي صرح به في التجنيس وفيه لو قالت له أنفق على مماليكي من مهري ففعل ، ثم قالت لا أحسبه منه ; لأنك استخدمتهم فما أنفق عليهم بالمعروف فهو من المهر ولو بعث إليها بقرة عند موت أبيها فذبحتها وأطعمتها فطلب قيمتها فإن اتفقا أنه لم يذكر قيمة ليس له الرجوع وإن اتفقا على ذكر الرجوع بالقيمة فله الرجوع وإن اختلفا فالقول لها واختار قاضي خان أن القول قول الزوج ; لأنها تدعي الإذن بالاستهلاك بغير عوض وهو ينكر فالقول له كمن دفع إلى غيره دراهم فأنفقها ثم ادعى أنها قرض وقال القابض إنها هبة فالقول قول صاحب الدراهم . ا هـ .

                                                                                        وفي فتاوى قاضي خان لو جاء إلى بيته بقطن فغزلته المرأة فإن قال اغزليه لي فهو له ولا أجر لها وإن قال اغزليه لنا فهو له ولها أجر مثلها وإن قال اغزليه فهو له وإن قال اغزليه لنفسك فهو لها وإن اختلفا ، فقالت قلت : اغزليه لنفسك وكذبها فالقول قوله مع يمينه وإن نهاها عن غزله فغزلته كان لها ; لأنها غاصبة وله عليها مثل قطنه وإن اختلفا في النهي فالقول له وإن لم ينه ولم يأذن فغزلته إن كان بياع القطن فهو لها وعليها مثل قطنه وإلا فهو له إلى آخر ما في الفتاوى وهاهنا فروع ذكروها في الفتاوى لا بأس بإيرادها فإنها مهمة الأول : لو خطب امرأة في بيت أخيها فأبى الأخ أن يدفع إليه دراهم فدفع ثم تزوجها كان للزوج أن يسترد ما دفع له . الثاني : لو خطب ابنة رجل ، فقال أبوها إن نقدت إلي المهر كذا أزوجها منك ثم بعد ذلك بعث بهدايا إلى بيت الأب ولم يقدر على أن ينقد المهر ولم يزوجه فأراد أن يرجع قالوا ما بعث للمهر وهو قائم أو هالك يسترده

                                                                                        وكذا كل ما بعث هدية وهو قائم ، فأما الهالك والمستهلك فلا شيء فيه الثالث لو أنفق على معتدة الغير على طمع أن يتزوجها إذا انقضت عدتها فلما انقضت أبت ذلك إن شرط في الإنفاق التزوج كأن يقول أنفق بشرط أن تتزوجيني يرجع زوجت نفسها أو لا ، وكذا إذا لم يشترط على الصحيح ، وقيل لا يرجع إذا زوجت نفسها ، وقد كان شرطه وصحح أيضا وإن أبت ولم يكن شرطه لا يرجع على [ ص: 200 ] الصحيح .

                                                                                        والحاصل أن المعتمد ما ذكره العمادي في فصوله أنها إن تزوجته لا رجوع مطلقا وإن أبت فله الرجوع إن كان دفع لها وإن أكلت معه فلا مطلقا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله إنما ينفي احتسابه من المهر إلخ ) أي لو ادعاه أنه من المهر لا يصدق أما لو ادعاه من الكسوة الواجبة وادعت أنه هدية فإنه يصدق ; لأن الظاهر لا يكذبه في ذلك بل الظاهر يصدقه فيه ، وهذا ما سينقله المؤلف عن الخلاصة . ( قوله ، وهذا البحث موافق لما في الجامع الصغير ) كذا في النسخ وقعت هذه الجملة قبل قوله وفيه أيضا أي في الفتح والذي ينبغي ذكرها بعده تأمل . ( قوله بما بقي من المهر ) أي إن كان دفع لها شيئا منه . ( قوله وإن كان المتاع هالكا ) قال في النهر وفي البزازية اتخذ لها ثيابا ولبستها حتى تحرقت ، ثم قال هو من المهر وقالت هو من النفقة أعني الكسوة فالقول لها قيل فما الفرق بينه وبين ما إذا كان الثوب قائما حيث يكون القول ثمة له قلنا الفرق أن في القائم اتفقا على أصل التمليك واختلفا في صفته والقول للمالك ; لأنه أعرف بجهة التمليك بخلاف الهالك ; لأنه يدعي سقوط بعض المهر والمرأة تنكر ذلك فإن قيل لم لم يجعل هذا اختلافا في جهة التمليك كالقائم قلنا بالهلاك خرج عن المملوكية والاختلاف في أصل التمليك أو في جهته ولا ملك بحال باطل فيكون اختلافا في ضمان الهالك وبدله فالقول لمن يملك البدل والضمان ا هـ .

                                                                                        ، وهذا يقتضي أن القول لها فيما لو كان هالكا في مسألة الكتاب ; لأنه بذلك يدعي الهالك وهي تنكر وهو مخالف لما قدمنا والفرق يعسر فتدبره .

                                                                                        ( قوله وإن لم يكن مثليا لا ترجع إلخ ) أي ; لأنه تجب قيمته مقوما بالدراهم وهي من جنس المهر فيقع قصاصا فلا ترجع بما بقي من المهر إن كانت القيمة قدر ما بقي لها ( قوله ويفرق بين هذا وبين ما سبق إلخ ) يمكن أن يفرق بأن ما سبق مصور فيما إذا صرحت بالتعويض بخلاف ما هنا فإنه إقرار لفعل الأب بدون تصريح قال في التتارخانية ولو أرسل إلى امرأة نافجة مسك أو طيبا ، ثم قال كان من المهر فالقول له فإن وجهت هي إليه عوضا لذلك الطيب وحسبت أن زوجها وجهه هدية فلما ظهر الخلاف أرادت الرجوع هل لها ذلك قال لا ; لأن نية العوض فاسدة وكانت هبة جديدة ، ثم قال بعد نقل ما في الفتاوى السمرقندية وفي الخانية

                                                                                        وقال أبو بكر الإسكاف رحمه الله إن صرحت حين بعثت أنها عوض فكذلك ا هـ .

                                                                                        لكن قاضي خان قد ذكر قبل قول الإسكاف ما نصه قالوا القول للزوج في متاعه ; لأنه أنكر التمليك وللمرأة أن تسترد ما بعثت ; لأنها تزعم أنها بعثت عوضا للهبة فإذا لم يكن ذلك هبة لم يكن ذلك عوضا وكان لكل واحد [ ص: 199 ] أن يسترد متاعه وقال أبو بكر الإسكاف إلخ وظاهره أن في المسألة قولين وظاهر كلام المؤلف عدم اشتراط التصريح به وعليه فقد يفرق بأن ما سبق مصور فيما إذا قصدت التعويض وما هنا فيما إذا لم تقصده هي أو الأب ويدل عليه أنه في فتح القدير بعدما ذكر ما نقله عنه المؤلف ذكر عبارة الفتاوى السمرقندية ، ثم قال وفيما إذا بعث الأب بعد بعث الزوج تعويضا يثبت له حق الرجوع على الوجه الذي ذكر في فتاوى أهل سمرقند ، وكذا البنت فيما أذنت في بعثه تعويضا ا هـ .

                                                                                        فعلم أن ما بعثه الأب من ماله أو من مالها بإذنها على وجه التعويض يثبت فيه الرجوع كما يثبت فيما بعثته هي والله أعلم .

                                                                                        ( قوله ولو بعث إليها بقرة ) قال في النهر ، وهذا قد يشكل على ما مر ; لأنه المملك في هذه الحالة فكان أعرف بجهة التمليك ، ولذا قال القاضي ينبغي أن يكون القول للزوج . ا هـ .

                                                                                        قلت : تصوير المسألة على ما في العمادية التتارخانية وغيرهما امرأة ماتت فاتخذت والدتها مأتما فبعث زوج الميتة بقرة إلى أم المرأة فذبحتها إلى آخر ما هنا وبه يظهر جواب الإشكال فتدبر .

                                                                                        ( قوله وإن قال اغزليه لنا ) أي لي ولك وقوله فهو له أي ; لأنه يصير مستأجرا لها بجزء منه فهو مثل قفيز الطحان فلم تصح الإجارة ويكون لها أجر مثلها ; لأنها غزلته على طمع أن لها منه حصة لا تبرعا . ( قوله كان للزوج أن يسترد ما دفع ) أي قائما أو هالكا ; لأنه رشوة كذا في البزازية . ( قوله : وقيل لا يرجع إلخ ) حاصل القول الأول أنه يرجع مطلقا سواء شرط التزوج أو لا وسواء تزوجته أو لا . وحاصل الثاني أنه يرجع في صورة ما إذا أبت وكان شرط التزوج أما إذا لم يشترط أو تزوجته مطلقا فلا رجوع له ; لأن قوله إذا زوجت إلخ يفهم منه عدم الرجوع إذا لم يشترط بالأولى ويفهم من قوله وإن أبت إلخ أنه إن شرطه يرجع فصار حاصله ما قلنا وفي كلامه مخالفة لما في الفتح حيث قال وفي الخلاصة أنفق على معتدة الغير على طمع أن يتزوجها إذا انقضت عدتها فلما انقضت أبت إن شرط في الإنفاق التزوج يرجع زوجت نفسها أو لا ; لأنه رشوة ، والصحيح لا يرجع لو زوجت نفسها وإن لم يشرط لكن أنفق على هذا الطمع اختلفوا والأصح أنه لا يرجع إذا زوجت قاله الصدر الشهيد وقال الشيخ الإمام أنه يرجع عليها زوجت نفسها منه أو لا ; لأنه رشوة واختاره في المحيط ، وهذا إذا دفع الدراهم إليها لتنفق على نفسها . أما إذا أكل معها فلا يرجع بشيء ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر ما إذا أبت أن تتزوجه في فصل عدم الاشتراط صريحا إلا ما قد يتوهم من اقتصاره على قول الشهيد ومن بعده أنه يرجع إذا لم تتزوجه وحكي في فتاوى الخاصي فيما إذا أنفق بلا شرط بل للعلم عرفا أنه ينفق للتزوج ثم لم تتزوج به خلافا منهم من قال يرجع ; لأن [ ص: 200 ] المعروف كالمشروط ومنهم من قال لا قال وهو الصحيح ; لأنه إنما أنفق على قصده لا بشرطه ا هـ .

                                                                                        كلام الفتح والمفهوم منه أن الصحيح أنه لا يرجع فيما إذا تزوجته مطلقا شرط الرجوع أو لا ويرجع فيما إذا أبت مطلقا ، وهذا هو المفهوم من العمادية أيضا وما ذكره المؤلف من القول الثاني مخالف لهما فلينظر من أين أخذه ، وأما ما ذكره من القول الأول فهو موافق لإطلاق ما تقدم عن الشيخ الإمام الذي اختاره في المحيط .

                                                                                        ( قوله ليس له في الاستحسان ) أي ليس للأب . .




                                                                                        الخدمات العلمية