الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 430 ] 52 - باب

                                كراهية الصلاة في المقابر

                                422 432 - حدثنا مسدد: ثنا يحيى، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا

                                التالي السابق


                                قد سبق استدلال ابن المنذر بهذا الحديث - أيضا - على كراهة الصلاة في المقبرة، وكذلك الخطابي وغيره.

                                ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يصلوا في بيوتهم، ولا يتخذوها قبورا بترك الصلاة فيها، فدل على أن القبور ليس فيها صلاة، وأن البيت يكره إخلاؤه عن الصلاة، لما فيه من تشبيهه بالمقابر الخالية عن الصلاة.

                                ولكن قد يقال: النهي عن تشبيه البيوت بالمقابر في إخلائها عن الصلاة إنما يراد منه أن المقابر تخلو عن الصلاة فيها في الواقع المشاهد ; فإنها ليست محلا لصلاة الأحياء عادة. ومن فيها من الأموات لا يقدرون على الصلاة، فصارت خالية عن الصلاة عادة.

                                وهذا إخبار بحسب الغالب، وإلا فقد شوهد صلاة بعض الموتى في قبورهم ، ورئي ذلك في المنام واليقظة، ولكنه نادر، فنهى عن تشبيه بيوت الأحياء بمقابر الأموات في إخلائها عن الصلاة فيها لذلك.

                                وقد قال الحسن : من أوى إلى فراشه طاهرا، وذكر الله حتى تغلبه عيناه كان فراشه له مسجدا، ومن أوى إلى فراش غير طاهر، ولم يذكر الله كان فراشه له قبرا.

                                [ ص: 431 ] يشير إلى أنه يصير كالقبر لخلوه عن الذكر، والنائم على الذكر يصير له كالمسجد.

                                وحينئذ فلا يبقى في الحديث تعرض لمنع الصلاة في المقابر شرعا، حيث كان المراد ذكر امتناع الصلاة فيها في الواقع.

                                وقد قال بعضهم في قوله: " ولا تتخذوها قبورا ": إنه نهى عن الدفن في البيوت، وهذا بعيد جدا.

                                قال الخطابي : لا معنى لقول من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت، فقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه.

                                وأكثر العلماء على جواز الدفن في البيوت ، ووصى يزيد بن عبد الله بن الشخير أن يدفن في داره، فدفن فيها، وشهد الحسن جنازته، ولم ينكر ذلك أحد.

                                قال أحمد : لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه إذا مات، قد فعل ذلك عثمان بن عفان وعائشة وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهم.

                                وقال - أيضا -: ما أحب أن يدفن في بيته، يدفن في المقابر مع المسلمين.

                                وقال فيمن وصى أن يدفن في داره: يدفن في المقابر مع المسلمين. وإن دفن في داره أضر بالورثة، والمقابر مع المسلمين أعجب إلي.

                                وتأوله بعض أصحابنا على أنه نقص من قيمة الدار بدفنه فيها أكثر من مقدار ثلث مال الموصي.

                                وهذا بعيد جدا، بل ظاهر هذه الرواية يدل على أن من وصى في دفنه بمكروه أو بما هو خلاف الأفضل أنه لا تنفذ وصيته بذلك.



                                الخدمات العلمية