الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2956 32 - حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا ابن المبارك، عن معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات، وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر، أو قريبا من ذلك فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها، فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها فجاءت النار فأكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " ثم أحل لنا الغنائم ".

                                                                                                                                                                                  ومحمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي، وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك المروزي.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح، وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي كريب أيضا عن ابن المبارك به.

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه، قوله: " غزا نبي من الأنبياء " قال ابن إسحاق هذا النبي صلى الله عليه وسلم هو يوشع بن نون ولم تحبس الشمس إلا له ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء حين انتظروا العير التي أخبر صلى الله عليه وسلم بقدومها عند شروق الشمس في ذلك اليوم، وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توجه من بيت المقدس بعد نزوله من الإسراء، لقي عير بني فلان بضجنان، ولما دخل مكة أخبر بذلك [ ص: 43 ] وقال: الآن تصوب عيرهم من ثنية التنعيم البيضاء يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء. قال فابتدر القوم الثنية فوجدوا مثل ما أخبر صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وعن السدي: أن الشمس كادت أن تغرب قبل أن يقدم ذلك العير، فدعا الله عز وجل، فحبسها حتى قدموا كما وصف لهم قال: فلم تحبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم، وعلى يوشع بن نون. رواه البيهقي.

                                                                                                                                                                                  قلت: حبست أيضا في الخندق حين شغل عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فصلاها. ذكره عياض في: " إكماله "، وقال الطحاوي : رواته ثقات، ووقع لموسى عليه الصلاة والسلام تأخير طلوع الفجر. روى ابن إسحاق في المبتدأ من حديث يحيى بن عروة عن أبيه: أن الله عز وجل أمر موسى عليه الصلاة والسلام بالمسير ببني إسرائيل، وأمره بحمل تابوت يوسف، ولم يدل عليه حتى كاد الفجر يطلع، وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر، فدعا ربه أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ من أمر يوسف، ففعل الله عز وجل ذلك، وبنحوه ذكر الضحاك في تفسيره الكبير، وقد وقع ذلك أيضا للإمام علي رضي الله تعالى عنه أخرجه الحاكم عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم نام على فخذ علي رضي الله تعالى عنه، حتى غابت الشمس، فلما استيقظ قال علي رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله إني لم أصل العصر، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إن عبدك عليا احتبس بنفسه على نبيك فرد عليه شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، ثم قام علي فتوضأ وصلى العصر وذلك بالصهباء . وذكره الطحاوي في مشكل الآثار قال: وكان أحمد بن صالح يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ حديث أسماء؛ لأنه من أجل علامات النبوة، وقال: وهو حديث متصل ورواته ثقات وإعلال ابن الجوزي هذا الحديث لا يلتفت إليه، وكذلك وقع لسليمان عليه الصلاة والسلام؛ روي عن ابن عباس أنه قال: سألت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عن هذه الآية إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب فقال: ما بلغك في هذا يا ابن عباس؟ فقلت له: سمعت كعب الأحبار يقول: إن سليمان عليه الصلاة والسلام اشتغل ذات يوم بعرض الأفراس والنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب ردوها علي يعني الأفراس وكانت أربعة عشر فردوها عليه، فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها، وإن الله تعالى سلب ملكه أربعة عشر يوما؛ لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي رضي الله تعالى عنه: كذب كعب لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس ذات يوم؛ لأنه أراد جهاد عدو حتى توارت بالحجاب، فقال: يأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي يعني الشمس، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها، وإن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم، ولا يرضون بالظلم؛ لأنهم معصومون مطهرون.

                                                                                                                                                                                  ، قوله: " ملك بضع امرأة " بضم الباء، وهو النكاح أي ملك عقدة نكاحها، وهو أيضا يقع على الجماع وعلى الفرج. قوله: " وهو يريد " الواو فيه للحال. قوله: " أن يبني بها " أي يدخل عليها وتزف إليه، ويروى: " أن يبتني " من الابتناء من باب الافتعال. قوله: " ولما يبن بها " أي والحال أنه لم يدخل عليها، قوله: " أو خلفات " جمع خلفة بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفتح الفاء، وقال ابن فارس: هي الناقة الحامل، وقيل جمعها: مخاض على غير قياس، كما يقال لواحدة النساء امرأة. وقيل: هي التي استكملت سنة بعد النتاج ثم حمل عليها فلقحت. وقيل الخلفة التي توهم أن بها حملا، ثم لم تلقح، وقال الأصمعي: فلا تزال خلفة حتى تبلغ عشرة أشهر، وقال الجوهري: الخلفة بكسر اللام المخاض من النوق، الواحدة خلفة، وفي المغيث: يقال خلفت إذا حملت، واختلفت إذا حالت ولم تحمل. قوله: " فدنا من القرية "، قيل: هي أريحا، وقال ابن إسحاق: لما مات موسى عليه السلام، وانقضت الأربعون سنة، بعث يوشع بن نون نبيا، فأخبر بني إسرائيل أنه نبي الله، وأن الله قد أمره بقتال الجبارين، فصدقوه وبايعوه، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا، ومعه تابوت الميثاق، فأحاط بمدينة أريحا ستة أشهر، فلما كان السابع نفخوا في القرون ضج الشعب ضجة واحدة، فسقط سور المدينة، فدخلوها وقتلوا الجبارين، وكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب، وتدخل ليلة السبت، فخشي يوشع أن يعجزوا فقال: اللهم اردد الشمس علي فقال لها إنك في طاعة الله وأنا في طاعة الله، وهو معنى قوله: " إنك مأمورة وأنا مأمور " يعني إنك مأمورة بالغروب، وأنا مأمور بالصلاة، أو القتال قبل الغروب. قوله: " فلم تطعمها " أي فلم تطعم النار الغنائم، وإنما قال: فلم تطعمها، ولم يقل فلم تأكلها للمبالغة؛ إذ معناه لم تذق طعمها، كقوله تعالى ومن لم يطعمه فإنه مني ، قوله: " إن فيكم غلولا "، وهو الخيانة في المغنم، وكان من خصائص الأنبياء المتقدمين [ ص: 44 ] أن يجمعوا الغنائم في مربد، فتأتي نار من السماء فتحرقها، فإن كان فيها غلول، أو ما لا يحل لم تأكلها، وكذلك كانوا يفعلون في قرابينهم؛ كان المتقبل تأكله النار، وما لا يتقبل يبقى على حاله، ولا تأكله، ففضل الله هذه الأمة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وأعطاهم ما لم يعط أحدا غيرهم، وأحل لهم الغنائم، ثم أشار إليه في الحديث بقوله: " رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا رحمة من الله علينا "، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن قلت: ما الحكمة في أكل النار غنائمهم والتحليل لنا؟ قلت: جعل هذا في حقهم؛ حتى لا يكون قتالهم لأجل الغنيمة لقصورهم في الإخلاص، وأما تحليلها في حق هذه الأمة فلكون الإخلاص غالبا عليهم، فلم يحتج إلى باعث آخر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية