الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4849 [ ص: 133 ] 76 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن جعفر بن ربيعة ، عن الأعرج ، قال : قال أبو هريرة يأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : ( ولا يخطب ) إلى آخره ، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز ، والحديث من أفراده .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( يأثر ) أي يروي من أثرت الحديث آثره بالمد أثرا بفتح أوله وسكون الثاني إذا ذكرته عن غيرك ، قوله : ( إياكم والظن ) تحذير منه ، وقال البيضاوي : التحذير عن الظن إنما هو فيما يجب فيه القطع والتحديث مع الاستغناء عنه . وقال ابن التين : يريد به أن تحقق الظن قد يوقع به في الإثم . قيل : وإياكم والظن تحذير منه ، والحال أنه يجب على المجتهد متابعة ظنه وكذا على مقلده ، وأجيب بأن ذلك من أحكام الشريعة ، وقيل : إحسان الظن بالله عز وجل وبالمسلمين واجب ، وأجيب بأن هذا تحذير من ظن السوء بهم ، وقيل : الجزم سوء الظن ، وهو ممدوح ، وأجيب بأن ذلك بالنسبة إلى أحوال نفسه وما يتعلق بخاصته ، وحاصله أن المدح للاحتياط فيما هو ملتبس به ، قوله : ( فإن الظن أكذب الحديث ) يعني أن الظن أكثر كذبا من الكلام ، وقيل : إن إثم هذا الكذب أزيد من إثم الحديث أو من سائر الأكاذيب ، وإنما كان إثمه أكثر لأنه أمر قلبي والاعتبار به كالإيمان ونحوه ، وقيل : الظن ليس كذبا ، وشرط أفعل أن يكون مضافا إلى جنسه ، وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون الكذب صفة للقول بل هو صادق أيضا على كل اعتقاد وظن ونحوهما إذا كان مخالفا للواقع أو الظن كلام نفساني ، وأفعل قد يضاف إلى غير جنسه أو بمعنى أن الظن أكثره كذب أو المظنونات يقع فيها الكذب أكثر من المجزومات ، وقال الخطابي : تحقيق الظن دون ما يهجس في النفس ، فإن ذلك لا يملك أي المحرم من الظن ما يصر صاحبه عليه ويستمر في قلبه دون ما يعرض ولا يستقر ، والمقصود أن الظن يهجم صاحبه على الكذب إذا قال على ظنه ما لم يتيقنه فيقع الخبر عنه حينئذ كذبا ، أي أن الظن منشأ أكثر الكذب .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ولا تجسسوا ولا تحسسوا ) الأول بالجيم والثاني بالحاء المهملة ويروى بالعكس ، واختلفوا فيهما التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم ، وبالجيم البحث عن العورات ، وقيل بالحاء هو أن تطلبه لغيرك ، وقيل هما بمعنى وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال ، قاله الحربي ، وقيل بالحاء في الخير وبالجيم في الشر ، وقال ابن حبيب : بالحاء أن تسمع ما يقول أخوك فيك ، وبالجيم أن ترسل من يسأل لك عما يقال لك في أخيك من السوء . قوله : ( ولا تباغضوا ) من باب التفاعل الذي هو اشتراك الجماعة وهو من البغض ضد الحب ، قوله : ( وكونوا إخوانا ) أي كإخوان في جلب نفع ودفع مضرة ، قوله : ( حتى ينكح ) قيل : كيف يصح هو غاية لقوله : لا يخطب ، وأجيب بأن بعد النكاح لا يمكن الخطبة فكأنه قال : لا يخطب على الخطبة أصلا كقوله عز وجل : حتى يلج الجمل في سم الخياط




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية