الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4911 137 - حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر قال : كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه فسر الإبهام الذي في الترجمة .

                                                                                                                                                                                  ويحيى بن سعيد هو القطان ، يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله .

                                                                                                                                                                                  والحديث من أفراده بهذا الوجه ، وروي هذا عن جابر بوجوه أخرى ; فروى البخاري أيضا من طريق عمرو عن عطاء عن جابر قال : كنا نعزل والقرآن ينزل . وأخرجه مسلم أيضا نحوه ، وروى النسائي والترمذي من حديث معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال : قلنا : يا رسول الله ، إنا كنا نعزل ، فزعمت اليهود أنها الموؤودة الصغرى ! فقال : كذبت اليهود ، إن الله إذا أراد أن يخلقه لم يمنعه . وروى مسلم من رواية معقل - وهو ابن عبيد الله الجزري - عن عطاء قال : سمعت جابرا يقول : لقد كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى مسلم أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر قال : كنا نعزل على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا . وروى أيضا النسائي من رواية عروة بن عياض عن جابر بن عبد الله قال : سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن عندي جارية لي ، وأنا أعزل عنها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ذلك لم يمنع شيئا أراد الله . . . الحديث ، وروى أيضا أبو داود من رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل ! فقال : اعزل عنها إن شئت ، فإنه سيأتيها ما قدر لها . . . الحديث ، ولفظ أبي داود أخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية سالم بن أبي الجعد عن جابر نحوه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ) ، قول الصحابي " كنا نفعل كذا " إن أضافه إلى زمن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - فحكمه حكم المرفوع على الصحيح عند أهل الحديث من الأصوليين ، وذهب أبو بكر [ ص: 195 ] الإسماعيلي إلى أنه موقوف لاحتمال أن لا يكون - صلى الله تعالى عليه وسلم - اطلع على ذلك ، وهذا الخلاف لا يجيء هنا لوجود النقل باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك كما ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر من قوله " فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا " ، ثم استدل بهذا الحديث على جواز العزل ; فممن قال به من الصحابة سعد بن أبي وقاص وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس ، ذكره عنهم مالك في الموطإ ، ورواه ابن أبي شيبة أيضا عن أبي بن كعب ورافع بن خديج وأنس بن مالك . ورواه أيضا عن غير واحد من الصحابة - لكن في العزل عن الأمة - وهم عمر بن الخطاب وخباب بن الأرت ، وروي كراهته عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عمر وأبي أمامة رضي الله تعالى عنهم ، وكذا روي عن سالم والأسود من التابعين .

                                                                                                                                                                                  وروي عن غير واحد من الصحابة التفرقة بين الحرة والأمة ; فتستأمر الحرة ولا تستأمر الأمة ، وهم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ، ومن التابعين سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وإبراهيم التيمي وعمرو بن مرة وجابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل ، وحكاه صاحب التقريب عن الشافعي ، وكذا عزاه إليه ابن عبد البر في التمهيد ، وهو قول أكثر أهل العلم .

                                                                                                                                                                                  وتفصيل القول فيه أن المرأة إن كانت حرة فقد ادعى فيه ابن عبد البر في التمهيد أنه لا خلاف بين العلماء في أنه لا يعزل عنها إلا بإذنها ، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله : دعوى الإجماع لا تصح ; فقد اختلف أصحاب الشافعي على طريقين أظهرهما كما قال الرافعي رحمه الله أنها إن رضيت جاز لا محالة ، وإلا فوجهان أصحهما عند الغزالي الجواز . وكذا قال الرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح مسلم أنه الأصح ، وقال في الروضة : إنه المذهب .

                                                                                                                                                                                  والطريق الثاني أنها إن لم تأذن لم يجز ، وإن أذنت فوجهان .

                                                                                                                                                                                  وإن كانت المرأة المزوجة أمة فاختلف العلماء في وجوب استئذان سيدها ; فحكى ابن عبد البر في التمهيد عن مالك وأبي حنيفة وأصحابهما أنهم قالوا : الإذن في العزل عنها إلى مولاها . وقال الشافعي : له أن يعزل عنها بدون إذنها وإذن مولاها . وإن كانت المرأة أمة له فقال ابن عبد البر : لا خلاف بين فقهاء الأمصار أنه يجوز العزل عنها بغير إذنها ، وإنه لا حق لها في ذلك . وقال شيخنا زين الدين رحمه الله : هكذا أطلق نفي الخلاف وليس بجيد ، وقد فرق أصحاب الشافعي في الأمة بين المستولدة وغيرها ، فإن لم يكن قد استولدها فقال الغزالي - وتبعه الرافعي والنووي : لا خلاف في جوازه . قال الرافعي : صيانة للملك . واعترض صاحب المهمات بأن فيه وجها حكاه الروياني في البحر أنه لا يجوز لحق الولد . وإن كانت مستولدة له فقال الرافعي : رتبها مرتبون على المنكوحة الرقيقة وأولى بالمنع لأن الولد حر ، وآخرون على الحرة والمستولدة أولى بالجواز لأنها ليست راسخة في الفراش ولهذا لا تستحق القسم .

                                                                                                                                                                                  قال الرافعي : وهذا أظهر .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية