الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1785 456 - حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس من أصحابه، فقالت فرقة: نقتلهم، وقالت فرقة: لا نقتلهم، فنزلت: فما لكم في المنافقين فئتين وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " كما تنفي النار خبث الحديد" وهو ظاهر، ورجاله قد تقدموا، وعبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري الصحابي، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي في نسق واحد، وكلاهما أنصاريان، والحديث أخرجه في المغازي عن أبي الوليد، وفي التفسير عن محمد بن بشار، وأخرجه في المناسك وفي ذكر المنافقين، عن عبد الله بن معاذ، عن أبيه، وفي ذكر المنافقين عن زهير بن حرب، وعن أبي بكر بن نافع، عن غندر، الكل عن شعبة، وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا في التفسير عن محمد بن بشار عن غندر به.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إلى أحد" كانت غزوة أحد يوم السبت في منتصف شوال عام ثلاث من الهجرة، وقال البلاذري لتسع خلون منه، والأول أشهر، وهو قول الزهري وقتادة وموسى بن عقبة. قوله: " رجع ناس من أصحابه" ؛ أي: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال موسى بن عقبة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فسلكوا على البدائع، وهم ألف رجل، والمشركون ثلاثة آلاف، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأحد، ورجع عنه عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلاثمائة، فبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة، قال البيهقي: هذا هو المشهور عند أهل المغازي أنهم بقوا في سبعمائة، قال: والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل، وقال موسى بن عقبة: وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وكان معهم مائة فرس، وكان لواؤهم مع عثمان بن طلحة بن أبي طلحة قال: ولم يكن مع المسلمين فرس واحد، وقال الواقدي: وعدة أصحاب رسول الله سبعمائة ذراع، ولم يكن معهم من الخيل سوى فرسين: فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بردة، قوله: " قالت فرقة: نقتلهم" ؛ أي: نقتل الراجعين، وقالت فرقة: لا نقتلهم، فلما اختلفوا أنزل الله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا وهذه الآية الكريمة في النساء، واختلفوا في سبب نزولها، فقيل: في هؤلاء الذين رجعوا من غزوة أحد بعد أن خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: في قوم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة، فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فاختلف المسلمون فيهم، فقال بعضهم: هم كفار، وقال بعضهم: هم مسلمون، وقيل: كانوا قوما هاجروا من مكة، ثم بدا لهم، فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا على دينك، وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا، وقيل: هم العرنيون الذين أغاروا على السرح، وقتلوا يسارا، وقيل: هم قوم أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة [ ص: 247 ] وقال زيد بن أسلم عن ابن سعد بن معاذ: إنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك، وهذا غريب. قوله: فما لكم يعني ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فرقتين! وما لكم لم تثبتوا القول في كفرهم، وقال الزمخشري: "فئتين" نصب على الحال؛ كقولك: ما لك قائما! قوله: والله أركسهم أي: ردهم في حكم المشركين كما كانوا، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي: أوقفهم وأوقعهم في الخطأ، وقال قتادة: أهلكهم، وقال السدي: أضلهم. قوله: بما كسبوا أتريدون أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول، واتباعهم الباطل أتريدون أن تهدوا من أضل الله أي: من جعله من جملة الضلال، وقرئ: ركسهم. قوله: فلن تجد له نصيرا أي: لا طريق له إلى الهدى، ولا مخلص له إليه. قوله: " إنها" ؛ أي: إن المدينة تنفي الرجال، جمع رجل والألف واللام فيه للعهد عن شرارهم، وكذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: "الدجال" بالدال والجيم المشددة، قيل: هو تصحيف، والمقصود من النفي الإظهار والتمييز بقرينة المشبه به، وفيه من الفقه أن من عقد على نفسه، أو على غيره عهدا لله تعالى فلا ينبغي له حله؛ لأن في حله خروجا عما عقد.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الارتداد عن الهجرة من أكبر الكبائر؛ ولذلك دعا لهم صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم"، وفيه جواز ضرب المثل، وفيه أن النفي كالقتل.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية