الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1818 27 - (حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد ح قال: حدثني سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: أنزلت: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل: من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد { من الفجر} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة؛ الأول: سعيد بن أبي مريم، هو سعيد بن محمد الحكم بن [ ص: 295 ] أبي مريم الجمحي، الثاني: ابن أبي حازم عبد العزيز، الثالث: أبوه أبو حازم، بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة بن دينار، الرابع: أبو غسان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبالنون، واسمه محمد بن طريف، الخامس: سهل بن سعد بن مالك الساعدي الأنصاري.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وبصيغة الإفراد في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه أن شيخه بصري والبقية مدنيون، وفيه أن في الطريق الأول روى عن شيخه بالتحديث بصيغة الجمع، وفي الطريق الثاني عنه أيضا بصيغة الإفراد، وفيه أن شيخه يروي عن شيخين؛ أحدهما: ابن أبي حازم، والآخر: أبو غسان، وفي التفسير عن أبي غسان وحده، واللفظ لأبي غسان، وكذا أخرجه مسلم وابن أبي حاتم وأبو عوانة والطحاوي في آخرين من طريق سعيد شيخ البخاري عن أبي غسان وحده.

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره) أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن سعيد بن أبي مريم، وأخرجه مسلم في الصوم عن أبي بكر محمد بن إسحاق، ومحمد بن سهل بن عسكر، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم، وأخرجه النسائي فيه عن أبي بكر بن إسحاق به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " ربط أحدهم في رجليه" ؛ (قلت) في مسلم: "جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فيضعهما تحت وسادته وينظر متى يستبينا" (قلت): لا منافاة لاحتمال أن يكون بعضهم فعل هذا وبعضهم فعل هذا، وقال بعضهم: أو يكونوا يجعلونهما تحت الوسادة إلى السحر فيربطونهما حينئذ في أرجلهم ليشاهدوهما. انتهى. (قلت): هذا بعيد؛ لأنه لا حاجة حينئذ إلى الربط في أرجلهم؛ لأنهم في يقظة حينئذ؛ لأن المشاهدة لا تكون إلا عن يقظان، فلا يحتاج إلى الربط في الرجل، ففي أي موضع كان تحصل المشاهدة. قوله: "حتى يتبين له" كذا هو بالتشديد في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: " حتى يستبين" من الاستبانة، وذلك من التبين من باب التفعل، وذاك من باب الاستفعال. قوله: " رؤيتهما" بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الياء آخر الحروف وضم التاء المثناة من فوق، وهو من رأى بالعين، يقال: رأى رأيا ورؤية وراءة مثل راعة، فيتعدى إلى مفعول واحد، وإذا كان بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين، يقال: رأى زيدا عالما، وهذا هكذا في رواية أبي ذر وهو مرفوع؛ لأنه فاعل لقوله: (حتى يتبين له)، وفي رواية النسفي: رأيهما، بكسر الراء وسكون الهمزة وضم الياء آخر الحروف، ومعناه منظرهما، ومنه: قوله تعالى: أحسن أثاثا ورءيا وفي رواية مسلم: " زيهما" بكسر الزاي وتشديد الياء بلا همز، ومعناه: لونهما، ويروى: " رئيهما" بفتح الراء وكسرها وكسر الهمزة وتشديد الياء آخر الحروف، قال عياض: هذا غلط؛ لأن الرئي التابع من الجن، فلا معنى له هاهنا، فإن صحت به الرواية فيكون معناه مرئيهما. قوله: " فأنزل الله بعد" بضم الدال؛ أي: بعد نزول حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (فإن قلت): كيف الجمع على هذا بين حديث عدي وحديث سهل هذا؟ (قلت): قال القرطبي: يصح الجمع بأن يكون حديث عدي متأخرا عن حديث سهل، وأن عديا لم يسمع ما جرى في حديث سهل، وإنما سمع الآية مجردة، وعلى هذا فيكون من الفجر متعلقا بقوله: يتبين

                                                                                                                                                                                  وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال متعلقا بمحذوف، قال: ويحتمل أن يكون الحديثان قضية واحدة، وذكر بعض الرواة: " من الفجر" متصلا بما قبله، كما ثبت في القرآن العزيز، وإن كان قد نزل منفردا كما بينه في حديث سهل، وحديث سهل يقتضي أن يكون منفردا، وذاك أن فرض الصيام كان في السنة الثانية بلا خلاف، وقال سهل في حديثه: كان رجال، إلى قوله: (والخيط الأسود) ثم أنزل: " من الفجر "، فدل هذا على أن الصحابة كانوا يفعلون هذا إلى أن أسلم عدي في السنة التاسعة، وقيل: العاشرة، حتى أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأن ذلك سواد الليل وبياض النهار. قوله: " فأنزل الله بعد ذلك" من الفجر روى أنه كان بينهما عام، قال الطحاوي: فلما كان حكم هذه الآية قد أشكل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى بين الله لهم من ذلك ما بين، وحتى أنزل: " من الفجر " بعدما كان قد أنزل الله: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود فكان الحكم أن يأكلوا ويشربوا حتى يتبين لهم، حتى نسخ الله عز وجل بقوله: من الفجر على ما ذكرنا، وقد بينه سهل في حديثه. انتهى. وقال عياض: وليس المراد أن هذا كان حكم الشرع أولا ثم نسخ بقوله: من الفجر كما أشار إليه [ ص: 296 ] الطحاوي والداودي، وإنما المراد أن ذلك فعله وتأوله من لم يكن مخالطا للنبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو من الأعراب ومن لا فقه عنده، أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار. انتهى. (قلت): قد ذكرنا فيما مضى أن ذلك كان اسما لسواد الليل وبياض النهار في الجاهلية قبل الإسلام، وعن هذا قال الداودي: أحسب أن المحفوظ حديث عدي؛ لأن الله لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه، وإن يكن حديث سهل محفوظا فإنما هو الذي فرض عليهم ثم نسخ بالفجر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية