الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قول الله بالجر عطف على قوله : " فضل ليلة القدر " أي وفي بيان تفسير قول الله تعالى ، وفي رواية أبي ذر : وقال الله تعالى : إنا أنـزلناه إلى آخره ، وفي رواية كريمة السورة كلها مذكورة ومطابقة ذكر هذه السورة عقيب الترجمة في ليلة القدر لكونها في هذه السورة قد ذكرت مكررة لأجل تفضيلها .

                                                                                                                                                                                  وهذه السورة مائة واثنا عشر حرفا وثلاثون كلمة وخمس آيات وهي مدنية قاله الضحاك ، ومقاتل ، والأكثر على أنها مكية وقال الواقدي: هي أول سورة نزلت بالمدينة .

                                                                                                                                                                                  إنا أنـزلناه أي القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فوضعناه في بيت العزة وأملاه جبريل عليه السلام على السفرة ثم كان ينزله جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم نجوما فكان بين أوله إلى آخره ثلاثة وعشرون سنة ثم عجب نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : وما أدراك ما ليلة القدر يعني : ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علو قدرها .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ليلة القدر خير من ألف شهر " وسبب نزولها ما ذكره الواحدي بإسناده عن مجاهد قال : ذكر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى عز وجل : إنا أنـزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر قال خير من الذي لبس السلاح فيها ذلك الرجل انتهى وذكر بعض المفسرين رحمة الله تعالى عليهم أنه كان في الزمن الأول نبي يقال له شمسون عليه السلام قاتل الكفرة في دين الله ألف شهر ولم ينزع الثياب والسلاح فقالت الصحابة : يا ليت لنا عمرا طويلا حتى نقاتل مثله فنزلت هذه الآية ، وأخبر صلى الله تعالى عليه وسلم أن ليلة القدر خير من ألف شهر الذي لبس السلاح فيها شمسون في سبيل الله ، والظاهر أن ذلك الرجل الذي ذكره الواحدي هو شمسون هذا .

                                                                                                                                                                                  وعن أبي الخطاب الجارود بن سهيل حدثنا مسلم بن قتيبة حدثنا القاسم بن فضل ، حدثنا عيسى بن مازن قال : قلت للحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما : عمدت لهذا الرجل فبايعت له يعني معاوية فقال : إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أري بني أمية يعلون منبره خليفة بعد خليفة فشق ذلك عليه فأنزل الله سورة القدر ، قال القاسم : فحسبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر .

                                                                                                                                                                                  وقيل : ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين سنة لم يعصوا طرفة عين فعجبت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فأتاه جبريل عليه السلام فقال : يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين فقد أنزل الله عليك خيرا من ذلك ثم قرأ عليه : إنا أنـزلناه في ليلة القدر الآيات ، وقال : هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك فسر النبي صلى الله عليه وسلم والناس معه .

                                                                                                                                                                                  وذكر في بعض الكتب أن أبا عروة قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل فقال : عبدوا الله ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون عليهم الصلاة والسلام ثم ذكر الباقي نحو ما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                  وعن ابن عباس تفكر النبي صلى الله عليه وسلم في أعمار أمته وأعمار الأمم السالفة فأنزل الله هذه السورة وخص هذه الأمة بتضعيف الحسنات لقصر أعمارهم ويقال إن [ ص: 130 ] الرجل فيما مضى كان لا يستحق أن يقال له فلان عابد حتى يعبد الله ألف شهر ، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر فجعل الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ليلة خيرا من ألف شهر كانوا يعبدون فيها .

                                                                                                                                                                                  وقيل : معناه عمل صالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .

                                                                                                                                                                                  وقال مجاهد : سلام الملائكة والروح عليك تلك الليلة خير من سلام الخلق عليك ألف شهر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " تنـزل الملائكة والروح " أي : جبريل عليه والسلام " فيها " أي : في ليلة القدر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من كل أمر " أي : تنزل من أجل كل أمر قضاه الله وقدره في تلك السنة إلى قابل تم الكلام عند قوله : " من كل أمر " ثم ابتدأ فقال : " سلام " أي : ما ليلة القدر إلا سلامة وخير كلها ليس فيها شر ، وقال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة إلا السلامة كلها فأما الليالي الأخر فيقضي فيهن البلاء والسلامة .

                                                                                                                                                                                  وقيل : هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرون على كل مؤمن ويقولون : السلام عليك يا مؤمن حتى مطلع الفجر أي إلى مطلع الفجر قرأ الكسائي وخلف ، مطلع بكسر اللام فإنه موضع الطلوع ، والباقون بفتح اللام بمعنى الطلوع .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية