الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1012 - " استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع؛ وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه؛ فإن ذهبت تقيمه؛ كسرته؛ وإن تركته لم يزل أعوج؛ فاستوصوا بالنساء خيرا " ؛ (ق)؛ عن أبي هريرة ؛ (صح).

التالي السابق


(استوصوا بالنساء خيرا) ؛ أي: اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم؛ أو: اطلبوا الوصية من غيركم بهن؛ أو: اقبلوا وصيتي فيهن؛ واعملوا بها؛ وارفقوا بهن؛ وأحسنوا عشرتهن؛ والأول للطيبي؛ والأخير للقاضي؛ قال ابن حجر: وهو أوجه الأوجه؛ والخير الموصى به لها أن يداريها؛ ويلاطفها؛ ويوفيها حقوقها المشار إليها بنحو خبر الحاكم وغيره: " حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم؛ ويكسوها إذا اكتسى؛ ولا يضرب الوجه؛ ولا يقبح؛ ولا يهجرها" ؛ (فإن المرأة خلقت) ؛ أي: أخرجت؛ كما تخرج النخلة من النواة؛ (من ضلع) ؛ بكسر؛ ففتح؛ أو فسكون؛ قال القاضي: و" الضلع" ؛ بكسر؛ فسكون: واحد الأضلاع؛ استعير للمعوج صورة؛ ومعنى؛ وقيل: أراد به أن أول النساء خلقت من ضلع؛ فإن حواء خرجت من ضلع آدم؛ قيل: الأيسر؛ وقيل: القصرى؛ كما تخرج النخلة من النواة؛ ثم جعل محلها لحم؛ (فإن ذهبت تقيمه؛ كسرته) ؛ أي: إن أردت منها تسوية اعوجاجها أدى إلى فراقها؛ فهو ضرب مثل للطلاق؛ (وإن تركته) ؛ أي: لم تقمه؛ (لم يزل أعوج) ؛ فلا يطمع في استقامتهن البتة؛ (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ؛ ذكر تأكيدا لمعنى الكسر؛ وإشارة إلى أنها خلقت من أعوج آخر الضلع؛ مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن؛ أو ضربه مثلا لأعلى المرأة؛ لأن أعلاها رأسها؛ وفيه لسانها؛ وهو الذي يحصل به الأذى؛ وأعاد الضمير مذكرا على تأويله بالعضو؛ وإلا فالضلع مؤنثة؛ وقول الزركشي: تأنيثه غير حقيقي؛ فلذلك ذكر؛ رده الدماميني بأن معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر إنما هو بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه؛ مثل: " طلع الشمس" ؛ وأما مضمره فكالمؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث؛ (فاستوصوا) ؛ أيها الرجال؛ (بالنساء خيرا) ؛ ختم بما به بدأ؛ إشعارا بكمال طلب الوصية بهن؛ وزاد التأكيد بالإظهار في محل الإضمار؛ وفيه رمز إلى أن التقويم برفق؛ بحيث لا يبالغ فيه؛ ولا يترك فيستمر أعوج؛ فالمبالغة ممنوعة؛ وتركها على العوج ممنوع؛ وخير الأمور أوسطها.

(فائدة): أخرج أبو بكر بن السراج أن إبراهيم الخليل شكا إلى ربه سوء خلق سارة؛ فأوحى الله إليه: " إنما هي من ضلع؛ فارفق بها؛ أما ترضى أن تكون نصيبك من المكروه؟!" ؛ وقد نظم بعضهم هذا المعنى؛ فقال:


هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها

تجمع ضعفا واقتدارا على الفتى
... أليس عجبا ضعفها واقتدارها؟!



وهذا الحديث قد عد من الحكم والأمثال.

(ق؛ عن أبي هريرة ) ؛ ورواه النسائي أيضا.



الخدمات العلمية